انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

سندويشات كنافة

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/04 الساعة 00:30
حجم الخط

زمان كان للرجولة طعم خاص, كانت كل الأشياء توحي بالإنضباط..وقوة المجتمع وسلامته, أتذكر جارتنا حين كانت تذهب (للدكان).. وخلفها أولادها, مثل (رتل) عسكري منضبط يمشون, والأقل طولاً في الخلف.. كان جمال النساء مختلفاً.. وبهن شراسة محببة, وكن يجلسن بعد العصر على عتبة الباب.. وتبدأ نوبة (تلقيط) الملوخية..

الرجال أيضاً كانوا مختلفين, أتذكر أن ثمة (خرخشة) تندلع أثناء المشي نتيجة تكدس (الفراطة) في الجيوب الأمامية, وكانوا كلهم يحملون (المسبحة)... ويلقون التحية على كل من يعرفون ومن لايعرفون...والعطر كان واحداً عندهم كلهم وهو (الكالونيا) ذات المنشأ الصيني.. كانت الشوارب تزين وجوههم, وكانت تحف بطريقة محترفة.. وبعضهم كان يفردها مثل (طوني حنا).. يا إلهي كم ألهمت (شوارب) طوني حنا في ذاك الوقت, مجموعات هائلة من الرجال.. تخيلوا حتى الغناء كان به بعض الإنضباط، فحين يخرج (طوني حنا) على الشاشة لم تكن تحس بفنان رقيق.. أصلاً طوني لم يكن رقيقا, كنت تشعر بأنه عاد للتو من (هوشة) وسيؤدي الأغنية, وسيذهب لأبناء العمومة من أجل (فزعتهم).. ومن أجل التزود (بالقناوي)..

كانت تأتي (خديجة) من الضفة كل عام, وهي شقيقة جارتنا (حليمة).. وكانت تحضر أولادها معها, ونجلس جميعاً في زوايا بيت مهجور, ويحدثوننا عن إسرائيل.. وعن اليهود, وذات يوم أخبرنا (حمدي) بأنهم يتناولون (سندويشات) كنافة في نابلس..أنا اعتقدت أن الطفل يبالغ، لم أستطع أن أتخيل أن الكنافة تؤكل مع الخبز على شكل (ساندويش).. قلت إن الطفل يهذي, وحين كبرت تبين لي أني أنا الذي يهذي..

كانت مستلزمات الصياعة سهلة وأدواتها أسهل, كان يكفينا.. أن نرتدي سلسلة من الفضة تحمل حرفاً مبهماً, من أجل الإيحاء بأنه أول حرف من اسم حبيبة ولدت في الخيال.. كان يكفينا أيضاً أن نضع (كريم) على رؤوسنا.. ونفتح أزرار القميص العلوية.. وأن نخفي علبة السجائر.. أسفل الحزام, أنا كنت مستجداً في الصياعة لكني بفعل تراكم الخبرات تطورت كثيراً, ولم أبخل على رفاق الحي بتجاربي.. التي انهارت فيما بعد, نتيجة لقيام الشرطة بتوقيفنا أنا وثلة من الأصدقاء...وزجنا في السجن، لأننا أشعلنا نارا في الخلاء.. أصلاً أنت لم تكن تجرؤ في ذاك الزمن أن تجادل الشرطة...

كل شيء تغير الآن.. الإنضباط المجتمعي تبخر, وصرامة الجيران ذابت.. والملوخية صارت تباع (مفرزة) في أكياس.. وخديجة ماتت ودفنت في الضفة.. وأنا ما زلت أحاول أن أتقبل فكرة وهي: أن تؤكل الكنافة مع الخبز..

وأسال نفسي دوماً: ياترى هل يوجد سندويشات كنافة في نابلس؟

Abdelhadi18@yahoo.com

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/04 الساعة 00:30