ليست سير ومذكرات السياسين، هي المصدر الوحيد للتاريخ، فسير ومذكرات غيرهم هي أيضا مصدرا مهما لكتابة تاريخ الوطن بأبعاده المختلفة.
مناسبة هذا الكلام أن الصديق العين عيسى مراد، أهداني نسخة من كتاب "الحاج حيدر مراد رجل حقق المراد"، والذي يتناول مسيرة والده الحاج حيدر مراد، وهذه سُنة حسنة بدأت تنتشر في بلدنا، تتمثل في نشر المذكرات وتدوين سير الرجال الذين شاركوا في بناء الوطن، لأن هذه المذكرات والسير تشكل مصدراً مهماً من مصادر كتابة تاريخ وطننا، من هنا أهمية الكتاب الذي نتناوله في هذا المقال.
شخصيا أحترم الراحل، وقد شعرت في آخر مرة شاهدته فيها بمودة شديدة متبادلة بيننا، كان ذلك عندما جاء إلى ديوان آل التل في اربد معزياً ، أداءً منه لواجب الصداقة التي ربطته بالمتوفي وبغيره من آل التل، رغم أنه كان بإمكانه أن يتذرع بالمرض حتى يتجنب عناء الذهاب إلى اربد لتقديم واجب العزاء، في واقعة تكشف عن جانب مهم من شخصيته هي احترامه للتقاليد والوفاء للأصدقاء
كثيرة هي الصفات التي كان يتمتع بها "أبو عيسى"، فقد كان رجل علاقات من طراز رفيع، وأول صفات هذا الصف من الناس أنه ودوداً، كريم النفس صبوراً، لذلك لم يكن غريباً أن يتولى الحاج حيدر رئاسة لجنة التحكيم في غرفة تجارة عمان، فكان يحل الخلافات بين التجار دون أن تصل إلى المحاكم، كما كان ذا مقدرة على إصلاح ذات البين بين الناس .
قدرة الحاج حيدر على بناء العلاقات كانت من أهم أسباب نجاحه المهني، فقد كان من رواد كبريات المعارض التجارية الإقليمية والعالمية مما مكنه من نسج علاقات مهنية مع أمهات الشركات العالمية في مجال عملها فصار وكيلاً لها، وفي هذا المجال لم يكن مجرد تاجر يهتم بالربح والخسارة، لكنه كان يسعى للمساهمة في تطوير مجتمعه، لذلك كان لا يتردد باستيراد أحدث الأجهزة، ووسائل المدينة التي ساهمت في تطوير المجتمع، وجعلت الحاج حيدر في صدارة الأسواق، ومحل ثقة التجار داخل الأردن وخارجه.
رغبته في التحديث هي التي دفعته إلى تحديث معاملات غرفة تجارة عمان، وأنشأ مركز التدريب فيها، بالإضافة إلى سعيه الدائم لتحسين بيئة الأعمال.
إن مما يزيد من قيمة نجاح الرجل، أن دربه لم يكن مفروشاً بالورود، فرغم أن والده كان عمدة تجار غزة هاشم، لكنه تعرض لنكبة أعادته إلى نقطة الصفر، فخسر كل شيء إلا عزة النفس والسمعة الطيبة والإرادة الصلبة، وكلها صفات ورثها الحاج حيدر فصار عصامياً يشق طريقه واثقاً من هدفه، فبدأ حياته مدرساً وأنهاها شهبندر لتجار الأردن، كما كان يصفه من عرفه من التجار، الذين عرفوا فيه التاجر الصادق الأمين، والأكثر صبراً أمام النكبات والمصائب، فقد كان يؤمن بأن من يزرع يحصد، ويكفيه أنه حصد الحب والاحترام وقبلهما النجاح، من هنا أهمية قراءة سيرته، والتعلم منها.
Bilal.tall@yahoo.com