حياةٌ حتى الجنون
تعيش (سلمى) في قرية أهلها مسالمون متضامنون متآلفون، يفرحون مع بعضهم لأدنى مناسبة يغنون ويرقصون الدبكة ويوزعون الطعام، ويحزنون لأي ضرٍّ يمس فردا منهم. (حازم) من أبناء هذه القرية الذين تركوها واستوطنوا بالمدينة طلبا للرزق، ولكنه اليوم يعود مع أهله ليتزوج من القرية؛ لأن بنت القرية أقدر على فهم عاداتهم من غيرها من وجهة نظر أمّه وأبيه.
تم عقد القران وانتقلت (سلمى) التي لم تتجاوز السادسة عشر ربيعا بصحبة زوجها (حازم) إلى المدينة؛ لتعيش في شقة ضيقة بعد بيت أبيها الواسع، وتمكث في سجن الشقة بعد أن كانت تتجوّل في حقول قريتها وبيادرها. اختلف الهواء والماء والناس، ولكنها سنّة الحياة، ولا بدّ من أن تتقبّل وضعها الجديد، بعملية ولو قيصرية تولد فيها من جديد.
(حازم) لم يكن الزوج المثالي، حمل أسوأ العادات التي يمكن أن يحملها ابن القرية وابن المدينة، فهو لا يرى (سلمى) أكثر من قطعة أثاث تكمل منظر الشقة، وربّما رآها عند الحاجة بئرا تُصبّ فيه الشهوات والرغبات، أما الحبّ والعاطفة والحنان والمودة والرحمة، فهذا شأن الصّغار فقط، لذلك كان يشتمها بأقبح الشتائم ويهينها، ويضربها، إن أرادها لفراشه ضربها، وبعد الانتهاء يضربها؛ لأنه الرجل وعليه أن يثبت رجولته بفرض عضلاته.
بفارغ الصبر ينتظر (حازم) برهان فحولته، حيث من المفروض أن تحمل (سلمى) بأسرع وقت وإلا!! حملت (سلمى) وأجهضت نفسها بعد وصية من جارتها؛ لأنّها لا ينبغي أن تبقي رابطا بينها وبين زوجها (حازم) الوحش، إنها تنتقم منه ومن فحولته ورجولته، (لن أمنحه الولد) وتكرر إجهاضها ثلاث مرّات، وهي تدّعي أنها لم تحمل، وفي كل شهر يزيدها (حازم) عنفا وضربا وشتما، بحجة أنّها لا تحمل.
تنام (سلمى) فترى في منامها الأطفال الثلاثة يبكون ويُعاتبونها، فإذا استيقظت تخيلتهم حولها وفي حضنها، وصارت تحدثهم وتلاعبهم وتغني لهم، وتقول لزوجها: (ولدك خالد يبكي ويريد أن تحمله)، ينظر حازم فلا يرى أحدا، يأخذ بيد (سلمى) ليعود بها مطلقة إلى قريتها، لتعيش بقية عمرها في حزن على أبنائها الذين فقدتهم، وتشتهر بين أبناء القرية بلقب المجنونة.
الدستور
