منذ (3) أيام, كلما فتحت (الفيس بوك), تداهمني صورة لمجلس النواب.. للطاولة التي يجلس خلفها نائب, قام بإطفاء السجائر في الخشب, وأفكر في الصورة ملياً, وأحياناً أتأمل في بشاعتها, وحجم ما سببته هذا من تشوه.., وعدم اكتراث..
حين تجلس في مقهى شعبي بسيط, لاتجرؤ على إطفاء السيجارة في الأرض, ليس خوفاً من أحد, ولكن احتراماً لذاتك أولاً.. واحتراما للعامل الذي يحضر لك الشاي والأرجيلة, وإذا فعلتها وتجاوزت الأمر حتماً ستحظى باحتقار الجميع, حتى في السيارة.. وبالرغم من أن الشارع متسع.. بالرغم من وجود (عمال الوطن).. إلا انك تتردد حين تريد رميها من الشباك.. بالطبع ليس من قبيل احترام عامل النظافة فقط.. ولكن من قبيل احترامك لنفسك أيضا..
وحين تأكل وجبة في مطعم الجامعة الأردنية, تحمل بقايا الطعام..وتوصلها لشباك المطبخ.. في مطعم الجامعة الأردنية, أساتذة الطب يفعلون ذلك.. أساتذة الهندسة, وأساتذة الاداب.. كلهم حين ينهون وجباتهم, يحملون ما تبقى منها ويعيدونها إلى شباك المطبخ..
احترام المكان والذوق العام, مسألة لم تعد ترفا عند المجتمع الأردني, بل صارت من عاداته الأصيلة...فقط راقب شارع (الستين) في السلط على حافة المدينة.. تجد الشارع نظيفا, أتمنى أن ألمح ورقة أو علبة سجائر فارغة فيه.. مع أنك من المستحيل أن تجد عامل نظافة يطوف به, أو حتى سيارة لنقل (القمامة).. الناس هناك تحافظ على مدينتها, وكل من يأتي للشارع.. من أجل التنزه ورؤية المناظر الخلابة, يرفض أن يترك في المكان أي أثر لرحلته أو جولته
في عمان إذا رميت ورقة من سيارتك, سيطاردك من هو خلفك.. وقد يتشاجر معك, وإذا وقفت على باب مطعم الريم للشاورما, ورميت أوراق النايلون, سيحتج عليك الناس التي تقف في الطابور, وفي الصيف حين تجتمع بعض العائلات على الدوار الثاني, تأخذ بقايا الساندويشات.. والأوراق معها إلى الحاويات.
ما فعله النائب المحترم, لايقل أبدا.. عن الواسطة والمحسوبية والرشوة, لأن كل هذه الأمور فيها تغول على المال العام، وضرر للمصلحة العامة.. القصة ليست حرق خشب طاولة فقط ولكنها امتهان للذوق العام وللشعور الوطني أيضاً, فهذا المجلس.. أنتجه الأردني عبر سنوات من الكفاح في الدولة, عبر سنوات من الحوار والأخذ والرد.. وانتزع ديمقراطيته.. وعلق أكبر الامال عليه في التصدي للحكومات.. هل يستحق كل هذا الإمتهان والتجاوز؟..
هذه الصورة أبلغ من كل خطابات النواب, لقد تعلمنا في الصحافة.. أن الصورة أحياناً تكون أبلغ من ألف خطاب, وهي خطاب بحد ذاتها.. خطاب يرتكز على أمر واحد, وهو أن الأحلام في بلدنا.. تحرق مثل الخشب, ويبدو أن أحلامنا بمجلس يليق بما نحمل من طموحات قد حرقت هي الأخرى..
للأسف نحن لم نحترم الخشب, ولم نحترم حتى السيجارة.
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي