إنه إرهاب داخلي خطّط له الرئيس الخاسر ترامب قائم على مبدأ دفع المجلس إلى رفض التصديق على النتائج، بالإضافة إلى خلق حالة من الفوضى تقود إلى تخريب العملية الديمقراطية. إن هذه الفوضى التي تمت من قبل أنصار الرئيس الخاسر منظمة ومدعومة من الرئيس نفسه، وكان يشاهد عبر التلفاز محتفلاً هو وأفراد العائلة بالمعركة للإطاحة بالديمقراطية ونتائج الانتخابات التي لم يعترف بها بعد، ويعتقد أن الانتخابات سرقت منه للحزب الديمقراطي معلناً بأنه لن يحضر حفل تنصيب الرئيس الجديد يوم 20 من الشهر الجاري، وهي سابقة تاريخية لم يفعلها أي رئيس من قبله.
إن هذا السلوك السياسي للرئيس ترامب يبعث على القول أنه غير متزن وهناك خلل في قواه العقلية للمزاجية في تصرفاته وعدم استماعه للآخرين وأنه لا يضع مصلحة الولايات المتحدة في المقدمة، المهم مصلحته الشخصية وبقاؤه في السلطة رغم خسارته الواضحة والجلية، فالأبعاد الشخصية والنفسية للرئيس تدفع البلاد إلى الانقسام الحزبي والمجتمعي وتهدد الأمن المجتمعي برمته.
إن أقواله في مواقع مختلفة تعزز الانقسام والوحدة الوطنية للبلاد، وتدفع نحو حالة من الانقسام المجتمعي، وقوله للمحتجين ومناصريه أنكم "مميزون وأنا أحبكم" "كونوا جاهزين" "وهذه هي البداية" "أنتم وطنيون تدافعون عن عظمة الدولة" كل هذا وغيره يدفع لطرح العديد من الأسئلة على عدم توازنه العقلي والعملي، مما أدى إلى اتهامه مبدئياً باستغلال السلطة ومحاولة تقويض النظام الديمقراطي، والاعتداء على المؤسسات الدستورية، ومحاولة تجاوُز إرادة الشعب، مما أدى لاستقالات العديد من حوله في الحكومة، وابتعاد العديد من المشرعين الجمهوريين عنه، فالحادثة الأخيرة أدت إلى مطالبات بتطبيق التعديل الدستوري رقم 25 والذي يقضي بسحب السلطة من قبل الحكومة أولاً، وتصديق الكونجرس على ذلك، وهذا أمر يجب أن يبدأ من قبل نائب الرئيس، ويستعد الحزب الديمقراطي إلى تقديم اتهام يبدأ من مجلس النواب ويمر بمراحله الدستورية استناداً إلى التحريض وإساءة استخدام السلطة، والخوف من تصرف أرعن ينعكس سلبياً على البلاد، وهذا سيأخذ وقتاً، وإن الوقت قصير جداً للإجراءات المتعلقة بهذا الأمر، وأمام هذا الواقع، فإن الاحتمالات هي:
أولاً- تقديم نائب الرئيس مايكل بنس طلباً بسحب السلطة بموافقة أعضاء الحكومة ثم التصديق عليه من الكونجرس، وهذا لن يحدث خوفاً من تفاقم الأوضاع في جناج المؤيدين للرئيس الخاسر.
ثالثاً- استقالة الرئيس نفسه من المنصب، وهذا مستبعد.
رابعاً- ضبط سلوك الرئيس ومنعه من التصرف سياسياً واستراتيجياً من قبل المؤسسات العميقة (البنتاجون، الجيش، المخابرات، السلطة التشريعية وبالذات مجلس الشيوخ) إلى أن تنتهي مدته الدستورية يوم 20 من الشهر الجاري، وهذا هو الاحتمال الأقوى.
ونتيجة لكل ما جرى، فإن مرحلة جديدة ستبدأ على الصعيد السياسي والاجتماعي وتحمل في طياتها متغيرات كبيرة على الصعيدن من الممكن اختصارها بالآتي:
أولاً- انقسام مجتمعي حاد داخل البلاد وفي العديد من الولايات وخصوصا المحافظة.
ثانياً- انقسام حزبي خصوصاً في الحزب الجمهوري بين الجناحين المحافظ والمتطرف، وباعتقادنا أن ترامب سيقود هذا الشرخ ويسعى لتأسيس حزب يميني متطرف يعتمد على المنظمات والقوى الدينية المتشددة والعرقية الحاقدة.
ثالثاً- دور سياسي قوي للملونين السود، والهسبانك وغيرهم من الأقليات، حيث إن الزيادة السكانية والتغير الديمغرافي حاصل وسيحصد نتائجه في المستقبل، وبالنظر إلى ما جرى في ولاية جورجيا أول مرة في التاريخ الأمريكي ينجح في مجلس الشيوخ ممثل من أصول إفريقية.
رابعاً- تراجُع دور الحزب الجهوري سياسياً على جميع الصعد وفي الولايات كافة.
خامساً- إن احداث الكونغرس قد هزت صورة الديمقراطية في الولايات المتحدة خارجياً، لكن عمق الديمقراطية وقوة المؤسسة العميقة للسلطة التشريعية قد أحبطت محاولة تقويض الديمقراطية المتجذرة، وهناك متغيرات أخرى لا مجال للتعامل معها، ولكن عش رجباً ترى عجباً.