أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة الموقف شكوى مستثمر شهادة مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

ابو زيد يكتب: هــمُ أمْ هموم!؟ نظرات في الواقع العربي والفلسطيني

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

بقلم: زيد أبو زيد

إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الأيام من أيام وطننا العربي الفريدة من نوعها هو: هل فقد أصحاب القرار في وطننا العربي الإيجابية في اتخاذ القرار, وهل أصبح انعدام الوزن سمة عربية, وهل صارت الأماني هدفًا ووسيلة للمواطن العربي حتى صدق فينا قول الشاعر اليازجي قبل أكثر من قرن, ولعلنا كنا أفضل حالاً :

فيم التعلل بالآمال تخدعكم وأنتم بين ساحات الخنا سكبوا

ففي الوقت الذي يُجمع فيه الباحثون أنَ السلبية غير المفهومة هي التي تطبع هذه الأمة ممثلة في أحزابها ونقاباتها وشخصياتها ويغيب عنهم تغليب المصالح الوطنية العليا والهموم القومية على حساب المصالح الذاتية, بحيث أصبح الوضع مضحكاً مبكياً.

وفي غمرة كل ذلك يتساءل المواطن العربي, متى تنتهي الغيبوبة؟, فقد طال النوم كثيراً, وخسرنا أكثر على مستوى الأهداف والوسائل, حتى صدق فينا القول أصبحنا هدفاً يُرْمى ولا يرمي, ويعصي الله فينا ورسوله ولا يتحرك لنا جفن, ولا يخفق لنا قلب. وإلا بماذا تفسرون ما نحن فيه، وماذا يمكن للدور العربي أن يقول، خاصة وأن أمامه أكثر من مهمة صعبة، فكيف يمكن الرد على خطاب نتنياهو العنصري وهو يطالب بالاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني وإلغاء حق العودة ونسيان القدس، وكيف يمكن الرد على عدوانية الحركة الصهيونية وخططها السرية والعلنية لتهجير الفلسطينيين وبناء المستوطنات وتهويد الشجر والحجر وتشريد البشر، وكيف يمكن التعامل مع الخطاب العربي الرسمي المعاصر ومحاولة ملء نواقصه، وكيف يمكن بلورة رؤية عربية، لتقف في وجه المشروع الامبريالي المتوحش في المنطقة الذي يريد مزيدًا من التقسيم والتهجير والاستغلال تحت مسميات عديدة.

كل ما سبق استوقفني متذكراً بيت شعريًا في ليلةٍ نابغية من ليالي شاعر الجاهلية النابغة الذبياني، واصفًا همَهُ معتذراً لمليكهِ، مؤكداً ما يقاسيه قائلاً :-

كليني لهمٍ يا أميمةُ ناصبٍ وليلٍ أقاسيه طويل الكواكب

فقلت :- أيُ هم هذا الذي تتحدث عنه يا نابغة، وأيُ ليلٍ هذا الذي تطول كواكبه، وأنا أرى ليلاً يفوق لَيلُك طولاً، وهمومًا تتجاوز همومك أميالاً، فليلي هو ليلُ وطني، وهمومي هي هموم أمتي. ليلٌ قاساه جدي ووالدي، وأقاسيه أنا وأبنائي، نجومه سوداء، وأقماره رمادية، ومفاتيحه ضائعة كما ضاعت مفاتيح أبواب بيوت كثر في وطن العرب، على يد من لا يرحم في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها.

عصابات ومهاجرون عيونهم سوداء، وقلوبهم سوداء، لو رآهم النابغة لاستعارها لقسوتها بدلاً من ليله، فجاز لي يا سيدي الشاعر أن أقول :- إن ليلتي هذه هي ليلة سبعينية، ليست سبعينية الأيام والأسابيع، بل سبعينية السنين لكل أب جاوز الستين، ومفتاح البيت الذي أُخرج منه قد أكله الصدأ، وكأنه يخبرني أن لا سبيل إلى الباب فقد هشمته الأيدي الظالمة، والحجارة العتيقة التي كانت تحفظ ساكنيها قد طواها النسيان، لأنها الآن تحمل إسمًا آخر في مستوطنة يهودية أو بلدة أو مدينة غير أسمها عناوين الأماكن، أما في وطني العربي الكبير فقد تقسم المقسم واقتتل الاخ مع الاخ تحت عناوين التطرف والاستقلال ومصالح القبيلة وغيرها الكثير.

معذرة يا نابغة، فليلك نهارٌ إذا ما قيس بليلي، وليلك مقمرٌ جميل إذا ما قيس بليل فلسطيني عراقي أو سوري أو ليبي يتلمس طريقه للخروج من ظلام الانقسام والتشرذم والاحتلال، وليلك قصير قصير إذا ما قيس بليل غزة الطويل تحت الحصار والنسيان.

يا نابغة يظهر لي أن ليل أمتي سرمدي لا يزول إلا بزوال عقول، فها هي أكثر من سبعينِ عامًا قد مرت والجرح لا زال ينزف والأخوة الأعداء يتقاتلون و الموت يجثم بلا رحمة فوق كل شيء، والشهداء يتساقطون كأوراق الشجر على امتداد أرض فلسطين والوطن العربي.

ثم قل لي بالله عليك يا نابغة: ماذا بقى لنا بعد سقوط بغداد، بوابة العرب الشرقية، وماذا بقى بعد أن أصبح الدم العربي رخيصًا، والأيام تزداد ظلاماً حالكاً، وبؤساً.. والموت الذي انطلق قطاره بديلاً.. ؟

أقول لك رغم كل ذلك : بقى لنا الكثير، فنحن سنبقى آخراً، فقد كان لخسائرنا في فلسطين والعراق وليبيا وسوريا ولبنان واليمن أسبابُها ومبرراتها و ظروفُها، وبقيت لنا أهدافنا وطموحاتنا ومبادئنا، وبقيت أمامنا المقاومة وسنستمرُ في المقاومة ولن نهزمَ، وسيصبح دمنا ثمينًا، وسيشرق نورنا، وتتحقق آمالنا، ونقوم مثل طائر الفينيق من تحت الرماد، وسيندثر أعداؤنا، فهم ليسوا أكثر من وهم كبير ، لم يقم إلاّ على ضعفنا وتشرذمنا. أما في وطني الاغلى الاردن فأرجو الله عز وجل أن يحفظ الوطن وقيادته وهو يخطو للاحتفاء بمئويته الثانية التي نأمل أن تكون حافلة بالإنجازات العظيمة.

مدار الساعة ـ