مدار الساعة - لا زالت آثار الحقبة الاستعمارية في أفريقيا تلقي بظلالها على الحاضر، فبين وقتٍ وآخر لا تزال بعض النقاشات السياسية تدور حول تغيير أسماء شوارع بعض المدن من أسماء المستعمرين السابقين إلى أسماء شخصياتٍ وطنية، ومن ضمن هذه النقاشات الأخيرة ما يطالب به بعض الناشطين السنغاليين من تغيير أسماء الشوارع في جزيرة غوري في السنغال.
إذ يعتبر بعض الناشطين في جزيرة غوري – وفقاً لما ذكرته وكالة الأناضول – أنّه لا يجب المساس بأسماء الشوارع التي تحمل أسماء المستعمرين السابقين لتبقى ذاكرة المكان حيّة وشاهدة ودليلاً على ما حدث في "بيت العبيد" للأفارقة.
وقد سمِّيت هذه الجزيرة باسم "بوابة اللاعودة"، فمنها كان يخرج الأفارقة الأحرار من بلادهم إلى بلادٍ لا يعرفونها ليعملوا فيها عبيداً.
شهدت القارة الإفريقية من بدايات القرن الخامس عشر ما لم تشهده في تاريخها كلّه من العنف الاستعماري والاستعباد الممنهج من قبل القوى الأوروبية المستعمرة. بما في ذلك العديد من الأمراء الأفارقة الذين كانوا من أعيان قومهم، ولكنّ القبضة الاستعمارية الأوروبيّة استعبدتهم.
ومن ضمن هؤلاء الأشخاص، الأمير عبدالرحمن إبراهيم بن سوري الذي كان ولياً لعهد أحد ممالك أفريقيا في غينيا، واقتيد إلى أمريكا ليظلّ عبداً طيلة 40 عاماً، قبل أن يستطيع أن يحصل على حريته ويعود إلى أفريقيا هو وزوجته تاركاً خلفه أبناءه وأحفاده عبيداً لأنّه لم يستطع أن يحررهم معه. ويمكنك القراءة عن قصته من هنا.
وقد وصلت أعداد الأفارقة الذين اقتيدوا للعبودية في أمريكا الشمالية (ما كان يسمى حينها العالم الجديد) إلى 12.5 مليون أفريقي في الفترة بين عامي 1525 و 1866، وفق بعض الإحصاءات.
ومن ضمن القصص المأساوية في هذا الكابوس الأفريقي كانت قصّة جزيرة غوري السنغالية والقريبة من العاصمة داكار بحوالي نصف ساعة فقط، وهي الجزيرة التي تواجه المحيط الأطلنطي مباشرةً، وكان يطلق عليها "بوابة اللاعودة" لأنّ الذي يصل إليها لن يعود لبلاده ولا لأسرته أبداً!
بدأت القصة بالاحتلال البرتغالي للجزيرة عام 1444، وخلال سنوات بنى البرتغاليون كنيسة صغيرة على الجزيرة، لكنّ هذه الكنيسة الصغيرة لم تمنعهم من معاملة الأفارقة بوحشية مفرطة واستعبادهم وإرسالهم إلى أمريكا الشمالية.
ظلّت الجزيرة تحت الاحتلال البرتغالي قرابة قرن ونصف حتّى احتلها الهولنديون عام 1617، ثمّ تغلّب عليهم الفرنسيون واحتلوها عام 1677، وظلّت جزيرة غوري محلّ صراع بين فرنسا وبريطانيا، فمن يسيطر على الجزيرة يسيطر على آخر وأهم نقطة ومعبر لاستيراد العبيد عبر المحيط إلى أمريكا.
حُسِمَ الصراع عام 1802 بعد معاهدة أميان، بسيطرة فرنسية كاملة على الجزيرة. وقد نالت الجزيرة استقلالها مع استقلال السنغال عن فرنسا عام 1960. وما هي إلا سنوات حتّى سجّلت الجزيرة ضمن مواقع التراث العالمي عام 1978 وفق تصنيف منظمة اليونسكو.
لكنّ الجزيرة التي أصبحت الآن مزاراً سياحياً مهماً في السنغال، بل من أهم المزارات السياحية في غرب أفريقيا، لا زالت تحتفظ برموز العبودية السابقة التي استمرّت أربعة قرون.
عند الوصول إلى الجزيرة يستقبلك تمثالان لرجلٍ وامرأةٍ أسودين يرفعان رأسيهما بعد كسر قيود العبودية، لكنّ الدخول في الجزيرة أكثر وأكثر سيوصلك إلى "بيت العبيد" سيئ السمعة والتاريخ.
يُضاف إلى هذا الطابق قبوٌ لتعذيب المتمردين من العبيد، ويصل ارتفاع هذا القبو إلى مترٍ واحد فقط. بالإضافة إلى قاعة لوزن الأشخاص، فالأشخاص الذين يقلّون عن 60 كيلو متراً كان يفرض على "أسيادهم" تسمينهم ليمكن بيعهم!
ليس هذا فقط، فبيوت الجزيرة لا زالت تحمل إرث المستعمرين، فإضافةً إلى تميّز بيوت المستعمرين بوسعها وأناقتها، وسطوحها المميزة بحجارة القرميد الحمراء، فتتميّ. أيضاً بألونها. فالبيوت التي بناها الهولنديون لونها أحمر، بينما لون البيوت التي بناها البرتغاليون باللون الأبيض، أمّا المباني الفرنسيّة والبريطانية فهي مصبوغةٌ باللون الأصفر.
يوجد في الجزيرة أيضاً قصر حكومي ومتحف تاريخي. كان هذا المتحف سابقاً حصناً عسكرياً في أيام الاستعمار، وهو الآن متحفاً يضمّ صوراً ومجسمات ومخطوطات تاريخية تجسّد ما حدث في الجزيرة في فترات الاستعمار.