أول انتصار للرئيس الفرنسي ماكرون كان انتصاره لقلبه , فالرجل كان أمينا مع ذاته , طبعا لم يمطره الفرنسيون بوابل من الاوصاف والتعليقات , كما فعل اقارب لي وأظن معظم اقاربكم فعلوها , حين قاموا بالغناء لمقطع يقول “ ابيض يا حلو صلاتك ما تجوز , شب ومتشبب وماخذلك عجوز “ , وصار محطّ غمز ولمز الاقارب والجيران , مع غمزات اضافية عن حجم الثروة التي تنتظره , فالحب في بلادنا مربوط بالقرار العقلي ومحصور بغيداء في عمر الشباب , وكثيرا ما كان الحب تعبير عن هواجس للاجابة عن اسئلة المحيط الاجتماعي وليس اذعانا لعواطف .
نحتاج في هذه اللحظات العصيبة ان ننتصر لقلوبنا بغسلها من كل دنس في موسم ارتفاع منسوب الورع والتقوى في شهر شعبان وايامه البيض واستعدادا لقدوم شهر الخير والغفران , فرغم كل الاحاديث الشريفة والمواعظ المحكمة اللفظ عن بياض القلوب , فإن معظم قلوبنا تتشح بالسواد قبل ان تنقلب الى سوداء قاتمة مع اول خلاف , فمساحة الرحمة في اضيق الحدود ومساحة التراحم بحجم حروف الكتابة على موقع تويتر -140 – حرف او اقل كثيرا , وصلة الرحم مجرد رسالة بليدة على هاتف عقيم المشاعر .
لست مشغولا بالحالة السياسية ومواقف فرنسا القادمة من القضايا العربية وقضية فلسطين المركزية , فقد تراجعت هذه القضايا على التراتبية الفلسطينية والعربية وبات من العار ان نراجع مواقف فرنسا وغيرها او قياس نتيجة اي انتخابات على مقياسها , فالانشغال منحصر في حالة التوافق العاطفي والعقلي للانسان – اي انسان – وانعكاس هذا التوافق على مسيرة الحياة نجاحا او فشلا , فالنجاح له عوامل واضحة واقصد النجاح البريء من شراء الذمم وتوظيف المفاتيح الانتخابية او محاسيبهم , فهذا النجاح يحتاج الى بيئة حاضنة للنجاح وليست مسكونة بهواجس القربى والجغرافيا .
مريع حجم احتفاليتنا بفوز الشاب الذي لم يبلغ الاربعين في فرنسا , ومريع اكثر التعاطي الايجابي مع حالة زواجه من معلمته التي تكبره بربع قرن تقريبا , فنفس الصفحة التي احتفلت بفوز ماكرون هي نفسها التي كانت تنادي بانتخاب ابن العشيرة البار او ابن البلدة الفهيم او رجل البرّ والاحسان , الذي يلتقط صوره مع الفقراء وهو يوزع المبالغ النقدية او طرود الذل , نعم هو نفسه او هي نفسها مَن احتفل بفوز ماكرون ونشر صوره مع زوجته , وهو الذي يستعد منذ اليوم لحسبة سريعة لعوائد انتخابات المجالس البلدية والمركزية , وهو او هي الذين يركضون نحو ابن العشيرة وابن العم والخال وما تيسر من ذوي القربى .
شروط النصر في الحب هو نفس شروط الانتصار في المعركة وهي نفس شروط الانتصار في التنمية والديمقراطية , التوافق بين العواطف والعقل والصدق مع الذات واحترام حق الآخر في الاختيار وحريته في الارتباط والاعتقاد , شروط تتحدث عنها كل الاديان ويكررها كل رجالات الدين في المواعظ والكرزات , لكن النصر لم يأتِ , مما يؤكد ان الاقوال لا تُطابق الافعال وان صدقنا مجرد مكياج نستخدمه لغايات تحسين الصورة واخفاء الجوهر .