بقلم أ.د. أمين المشاقبة
ما سيُكتب في هذا المقال يدخل في باب التحليل السياسي والاحتمالات في ضوء الواقع وتطور الأحداث في المنطقة.
يسعى الرئيس ترامب إلى خلط الأوراق وإرباك المشهد وتعقيد الحالة قبل رحيله من البيت الأبيض، وفي نفس الوقت تقديم مزيد من الخدمات وتحقيق الأهداف التي تسعى لها إسرائيل ورئيس وزرائها اليميني المتطرف والمتعجرف والمنافق الكذاب -كما يقول باراك أوباما-، إذا ما أخذنا شخصية ترامب فهو حاقد أرعن أهوج لا يستقر على رأي، وهو أداة من أدوات الحركة الصهيو-أميركية، وتولى منصبه لهذه الغاية، والدليل اعترافه بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وإعطاء الجولان المحتل وإيمانه باستمرار الاستيطان، وما صفقة العصر وما تحتويه إلا مثالٌ على هذه الأسس السالفة الذكر، ومحاولةً لإنهاء الحقوق الفلسطينية المشروعة وحل الصراع على حساب الأردن، ونضم صوتنا إلى القيادة الروسية في طلبها من بايدن بإلغاء صفقة العصر كلياً، وإذا كان هناك عقلانية سياسية فإن ذلك ممكن الحدوث.
من ناحية شخصية بايدن، فهو أخلاقي، إنساني، ضد إشعال الحروب، وله رؤية في حل الصراع، نتنمنى أن يبقى كذلك، غير أنه ملتزم بأمن واستقرار إسرائيل كثابت لديه وفي السياسة الأمريكية، لكنه سيبتعد عن الشخصنة، ويعود لإعلاء دور المؤسسات مثل البنتاغون ووزارة الخارجية والمخابرات المركزية إلى غيره من مؤسسات، فالمؤسسات العميقة هي الأصل في بنيان السياسة الأمريكية.
عوداً على ذي بدء، فقد اتخذ الرئيس ترامب قراراً بضرب إيران وتحديداً إحدى المفاعلات النووية وبالذات مفاعل "طنز"، ولكن البنتاغون اعترض على هذا القرار، وهناك احتمالات أولها: قيام دونالد ترامب بمغامرة عسكرية دون تدخل إسرائيل بضربة خاطفة لإحدى المفاعلات النووية، وتكون عمل سريع يحقق أهدافه خدمةً لإسرائيل التي تدفع بذلك، وما اغتيال العالم الإيراني "محسن فخري زادة" إلا مقدمة أولى احتمالات الضربة، أو دفع إيران للرد على ذلك الاغتيال ليكون ذلك ذريعة للضربة الخاطفة، وبالتالي تعقيد المشهد أمام جو بايدن القادم الجديد للبيت الأبيض، وإن إرسال القاذفة B52، وإرسال "يو إس إس" حاملة الطائرات، وسفن حربية أخرى إلى منطقة الخليج تكاد تكون مؤشرات عملية للضربة.
الاحتمال الثاني كسيناريو هو ضربة أمريكية لإيران وبعض قواها في العراق، وفي نفس الوقت تتكفل إسرائيل بتدمير القوى والبنى التحتية في لبنان/ حزب الله وكذلك حماس، وهذا سيشعل حرباً شاملة في المنطقة، وباعتقادنا أن هذا السيناريو ضعيف جداً حدوثه أو حتى احتمالات حدوثه تكاد تكون صفراً لأنها مغامرة صعبة لا تخدم مصالح الولايات المتحدة أو إسرائيل.
السيناريو الثالث: يقوم على بقاء الوضع الراهن كما هو، حرب كلامية دون اشتباك على الأرض مع بقاء قيام إسرائيل بضربات جوية خاطفة للوجود العسكري الإيراني في سوريا، واستمرار التهديدات الإعلامية بين الفرقاء.
وباعتقادنا، فإن السيناريو الثالث هو المحتمل، أيْ استمرار الوضع القائم، حيث إن الإدارة الجديدة لديها رؤية واضحة في إعادة الاتفاق النووي مع إيران بمشاركة أوروبية، ونرى أن على الدول العربية خصوصاً الدول الخليجية التريث وعدم الاندفاع بالتطبيع مع إسرائيل، وفي نفس الوقت عدم تبنّي الرؤية الإسرائيلية تجاه إيران، إيران الجغرافيا، التاريخ والدين، والديمغرافيا لا يمكن القضاء عليها لكن عليهم البحث عن إعادة جسور الثقة وبناء تلك الجسور ضمن البحث في آليات وطرق تقلل من غلو الممارسات الإيرانية في المنطقة برمتها.
إن تبنّي وجهة النظر الإسرائيلية- الترامبية لا تخدم المصالح العربية عموماً، وإنما هي الأساس ضد هذه المصالح، فالاستقرار العام بالمنطقة يبدأ بحل عادل وشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإيجاد وصفة عقلانية واقعية لتقليص التدخل الإيراني، ناهيك عن أهمية التكيف السياسي مع المتغيرات المتسارعة في العديد من الدول العربية.