مدار الساعة - بقلم: اللـــ ـواء الركن السابق الدكتور محمد خلف الرقاد
في إطار رؤية الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لنظام عالمي يسوده الأمن وينعم بالاستقرار.... أشعل جلالته بالأمس نوراً جديداً بدد به الظلمة السياسية القائمة على الساحة الدولية بحق الشعب الفلسطيني، ليعيد إلى واجهات الحوار السياسي الأمامية أهمية حل الدولتين، مؤكداً أنه هو الحل الأكثر مناسبة لتوفير الحد الأدنى من العدالة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد أن اتفاق العرب على أن السلام خيار استراتيجي عربي، فجاء طرح جلالته إعادةً لإحياء حل الدولتين الذي تعثرت مسيرته بسب الضربات الموجعة التي وجهتها الرئاسة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته بفرض "صفقة القرن" المسندة بالتأييد من قبل اليمين الإسرائيلي المتطرف، جاء ذلك في خطاب جلالته أمس في منتدى " فالداي" وخلال مباحثاته مع الرئيس الروسي " بوتين"، حيث أكد جلالته على أهمية الدور الروسي المحوري في حل القضايا الدولية العالقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
نستطيع أن نقرأ في هذه المباحثات الأردنية الروسية الفهم السياسي والإدراك العميق لأبعاد تسارع الأحداث والمستجدات التي تشغل الحراك السياسي على صعيد الساحة الدولية.... فلهذا جاء التحرك السياسي الأردني يقوده جلالة الملك الذي تُرجم من خلال محطات سريعة في وقت لايتجاوز يومين أو ثلاثة، فكان اتصال جلالته مع الرئيس الأمريكي المنتخب " جوزيف بايدن "قبل يومين ليؤكد على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية انطلاقاً من أن بناء علاقات الأردن الدولية يقوم على مرتكز مؤسسي لا يرتبط بمجيء أشخاص وذهابهم إلى سدة الرئاسة الأمريكية، فإذا كانت سياسات الرئيس المنتهية ولايته "دونالد ترامب" قد تقاطعت مع التوجهات السياسات الدولية بعامة ومع التوجهات الأردنية لإحلال السلام في المنطقة، فإن العلاقات الأردنية الأمريكية متجذرة عبر المؤسسات السياسية الأمريكية الداخلية والخارجية على اعتبار تبادل المصالح بين الدولتين، بعد أن ران على مسرح هذه العلاقات أربع سنوات من الحماقات السياسية التي ارتكبها الرئيس المنتهية ولايته تجاه كثير من القضايا الدولية المهمة بعامة وتجاه القضية الفلسطينية بخاصة، مما دمر جزءاً من التوازن في السياسات الأمريكية تجاه وحدات النظام الدولي، الأمر الذي قاد السياسة الأمريكية إلى مقاعد خلفية في العديد من القضايا التي تؤثر على أمن واستقرار العالم ومن أهمها ما أُطلق عليه " صفقة القرن " التي قد لاتجد مكاناً لها في بوتقة السياسات الأمريكية في حل الصراعات والنزاعات الدولية بعد هذه الفترة، والتي أوقعت ظلماً سياسياً على واقع القضية الفلسطينية والحلول المطروحة لحلها بعد أن جثمت عنهجيةُ وساديةُ " ترامب" السياسية وعنصريةُ "نتنياهو" وأحلامُه التوسعية على مشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يأتي هذا التحرك الملكي الأردني في ظل بيئة استراتيجية سياسية دولية تشهد حالياً توجهات سياسية تنبي بانفراج لمواقف السياسة الخارجية الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة تجاه القضايا التي تشغل الهاجس السياسي والأمني الأمريكي، مثلما تشغل هواجس الدول المتضررة وشعوبها المقهورة التي تشعر بالغبن والظلم إزاء ضياع حقوقها التاريخية والسياسية، وبخاصة القضية الفلسطينية، وقد برز التوجه نحو هذا الانفراج بعد التصريحات المتفائلة للرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن"، وطاقمه الذي اختاره ليساعده في تحقيق رؤاه السياسية الجديدة التي من شأنها إسناد الرئاسة المنتخبة للعودة بالولايات المتحدة لأخذ مكانها لقيادة العالم بعد الدمار السياسي الذي أحدثته الرئاسة الأمريكية المنتهية ولايتها في السياسة الأمريكية.
إن الاتصال الذي إجراه جلالة الملك مع الرئيس الأمريكي المنتخب وتحرك جلالته لإلقاء خطاب في منتدى " فالداي " وإحياء الحوار حول حل الدولتين، وتأكيد الرئيس " بوتين " على أهمية الوصاية الهاشمية على القدس تلقي الضوء على هذا التحرك السياسي الذي جاء في وقته الصحيح، وخاصة قبيل زيارة مرتقبة ومخططة للرئيس الروسي بوتين بدعوة من رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي زار موسكو قبل فترة وجيزة، كل هذا يأتي في إطار ثبات الأردن على مواقفة المبدئية ويصب في تأكيد الدور السياسي المحوري للأردن في حل القضية الفلسطينية، حيث أكد جلالته أن لا حل نهائياً دون دور أردني، ودون حل يرضي الشعوب، ووسط القنوط السياسي العربي والإحباط السياسي الدولي يبرز بقوة حل الدولتين، والذي يبرز ثبات الأردن وسياساته المنطقية والمتوازنة تجاه الصراعات الدولية وتجاه تحقيق السلام الدولي، بعد سعي ترامب لوأد هذا الحل من خلال الموافقة الأمريكية على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتهديدات نتنياهو بضم أجزاء من أراضي الأغوار والضفة الغربية المحتلة إلى السيطرة الإسرائيلية، وذلك لوضع المزيد من العراقيل والعثرات أمام قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني... الظرف الآن يحتاج إلى بل يفرض ضرورة إسناد ودعم التحرك السياسي الأردني بتحركٍ سياسي عربي على أوسع نطاق لإنفاذ حل الدولتين، ودفن مشروع صفقة القرن إلى الأبد.