أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية شهادة مناسبات جاهات واعراس الموقف شكوى مستثمر مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

هل تسقط الحدود بالتوبة؟

مدار الساعة,شؤون دينية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

أثر التوبة في سقوط الحدود :

الأفضل لمن وقع في معصية توجب الحد كالزنا وغيره أن يستتر بستر الله، وأن يتوب بينه وبين الله، وأن لا يرفع أمره إلى الإمام، والأفضل لمن رآه أن يستره إلا إذا كان مجاهرا بالمعاصي محترفا للذنوب فالأفضل في حق من رآه أن يبلغ عنه لاستئصال شره.

وأما من أقيمت عليه البينة بعد أن رفع أمره إلى إمام المسلمين فلا سبيل إلى العفو عنه؛ لأن هذا الباب إذا فتح تعطلت الحدود، وادعى كل من ضبط متلبسا أنه تاب لينجو من العقوبة.

وأما من أقر بمعصيته، وذهب إلى الإمام معلنا أنه عصى، من غير أن يكون هناك إثبات سوى إقراره، وظهرت منه أمارات التوبة النصوح فللإمام أن يعفو عنه إذا شاء، فإذا اختار المذنب إقامة الحد فعلى الإمام أن يجيبه إلى طلبه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:-

وقد قيل في ماعز إنه رجع عن الإقرار، وهذا هو أحد القولين فيه في مذهب أحمد وغيره ؛ وهو ضعيف والأول أجود . وهؤلاء يقولون : سقط الحد لكونه رجع عن الإقرار ويقولون رجوعه عن الإقرار مقبول وهو ضعيف ; بل فرق بين من أقر تائبا، ومن أقر غير تائب فإسقاط العقوبة بالتوبة – كما دلت عليه النصوص – أولى من إسقاطها بالرجوع عن الإقرار ; والإقرار شهادة منه على نفسه ; ولو قبل الرجوع لما قام حد بإقرار فإذا لم تقبل التوبة بعد الإقرار مع أنه قد يكون صادقا .انتهى.

ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-

روى الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس ليلة مع عمر بالمدينة فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمونه (أي يقصدونه) حتى إذا دنوا منه، إذا باب مجاف (أي مغلق) على قوم، لهم فيه أصوات مرتفعة، فقال عمر – وأخذ بيد عبد الرحمن – : أتدري بيت من هذا؟ قال: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب (أي يشربون الخمر) فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه: نهانا الله عز وجل، فقال: (ولا تجسسوا) (الحجرات: 12)، فقد تجسسنا! فانصرف عمر عنهم وتركهم” (رواه الحاكم في المستدرك: 377/4، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي).

وروى أبو داود والحاكم أيضًا عن زيد بن وهب، قال: أتى رجل ابن مسعود، فقال: هل لك في الوليد بن عقبة، ولحيته تقطر خمرًا؟! فقال: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهانا عن التجسس؛ إن يظهر لنا نأخذه. (رواه الحاكم وصححه وسكت عليه الذهبي: 377/4، وأبو داود في الأدب – 4890).

وروى أيضًا عن أربعة من الصحابة: جبير بن نفير، وكثير بن مرة، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة الباهلي – رضي الله عنهم – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم” (رواه أبو داود في الأدب – 4889 – كما رواه الحاكم أيضًا وسكت عليه هو والذهبي: – 378/4 – وذكره في صحيح الجامع الصغير برقم – 1885 – ونسبه أيضًا إلى أحمد والطحاوي)..

بل نرى التعاليم النبوية الصريحة ترغب أبلغ الترغيب في ستر المسلم على نفسه، وعلى غيره.

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد أن أقام الحد على ماعز الأسلمي، قام فقال: “اجتنبوا هذه القاذورة، التي نهى الله عنها، فمن ألم (أي تورط في شيء منها) فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته (أي يكشف عن جريمته) نقم عليه كتاب الله” (رواه الحاكم وسكت عليه، وأشار الذهبي إلى أنه على شرط الشيخين – 383/4). يعني: حكم الله، وكان الرسول الكريم قد أقام الحدّ على ماعز، بعد أن جاء إليه أربع مرات مقرًا بجريمته، وبعد أن حاول النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يبعد عنه التهمة، ويلقنه ما يدل على عدم استيفاء أركان الجريمة، ولكنه أصر، ومثله المرأة الغامدية.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “من ستر أخاه المسلم في الدنيا، ستره الله في الدنيا والآخرة” (رواه أبو داود في كتاب الحدود برقم – 4377 – ونسبه المنذري للنسائي، ورواه الحاكم أيضًا وصححه ووافقه الذهبي – 363/4).

وعن كثير مولى عقبة بن عامر: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “من رأى عورة فسترها، كان كمن استحيا موءودة من قبرها” (رواه أبو داود في الأدب – 4891 – كما رواه الحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي – 384/4).

وكذلك نجد التوجيهات الإسلامية صريحة في التحريض على العفو والصفح فيما كان من الحدود متعلقًا بحقوق العباد، مثل السرقة، بشرط ألا تصل إلى سلطة القضاء. فهناك لا مجال لعفو ولا شفاعة.

وقال ابن مسعود: إني لأذكر أول رجل قطعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أتي بسارق، فأمر بقطعه، وكأنما أسف وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (أي بدا عليه الأسف) فقالوا: يا رسول الله، كأنك كرهت قطعه؟ قال: “وما يمنعني؟ لا تكونوا أعوانًا للشيطان على أخيكم! إنه لا ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد إلا أن يقيمه، إن الله عفو يحب العفو: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (رواه الحاكم وصححه وسكت عليه الذهبي – 382/4، 383 – والآية من سورة النور: 22).

ومن ثم ذَهب من ذَهب من علماء السلف إلى أن من حق الإمام أو القاضي أن يسقط الحد بالتوبة إذا ظهرت أماراتها، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والمحقق ابن القيم، وهو ما أختاره حين (نقنن) عقوبات الحدود في عصرنا.

والله أعلم.

مدار الساعة ـ