مدار الساعة - كتب: حسن الفرح الشقيرات
كلنا تابع ما حدث بعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات النيابية عشيّة العاشر من تشرين الثاني، و ما كان من مشاهد بدا واضحاً فيها الخروج على القانون وأوامر الدفاع، وكان أبرزها التجمع اللامعقول لأنصار بعض المترشحين من فائزين و خاسرين، وما رافق هذه التجمعات من إطلاقٍ كثيف للنيران من الأسلحة الآلية والتزاحم والتدافع أمام المقرات.
بعد ذلك كثر الحديث عمّا حدث عبر مختلف الوسائل ، سواء حديث الناس فيما بينهم، وحديث وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وكثر البحث والتحليل ، وتراوح الحديث بين التنديد بما حصل واستنكاره، وانتقاده، والمطالبة باتخاذ الإجراءات الرادعة لوقف هذه المظاهر ومنعها مستقبلاً، وبين آخر يرى أن ما حصل شيء عادي و لا يستحق هذا الضجيج، وبين الرأيين تعدّدت الآراء وتباينت المواقف، وبرزت المطالب التي كان من أكثرها وضوحاً وظهوراً:
* وجوب البحث عن الأسلحة وسحبها من المواطنين.
* وجوب تدخل الأجهزة المعنية ووضع حدٍّ لهذه السلوكات.
* المطالبة بمحايبة الفاعلين و توقيع أشد العقوبات عليهم.
* التعامل مع الحدث على أنه شيء عادي.
ومن الأمور التي برزت على السطح في هذه القضية ، الحديث عن العشيرة ومؤسسة العشيرة باعتبارها الباعث لهذه التصرفات والمحرك لها، وتصويرها على أنها من أسباب تخلف المجتمع وأنها شيء قديمٌ بالٍ يجب التخلص منه، مع توجيه الأنظار وتسليط الضوء على مدينة معان أكثر من غيرها مع أن ما حدث كان في أكثر من منطقة في الأردن.
بين هذا وذاك، وبين الموقف الإعلامي والموقف الرسمي الحكومي والموقف الشعبي، ثمة ملاحظات لابدّ من التوقفعندها وتأملها:
* لم يتم السؤال أو التساؤل عن مصدر هذه الأسلحة وكيف عبرت الحدود حتى وصلت لأيدي المواطنين.
* ما هي الدوافع التي تدفع باتجاه مثل هذا السلوك والتصرف.؟
* هل الأسلحة موجودة في هذه المناطق فقط أم أنها منتشرة في جميع أنحاء المملكة.؟
* هل العشيرة والعشائرية هي فعلاً كما حاولوا تصويرها ، أم أنها تتمتع بميزات إيجابية تم التغافل عنها؟
* لماذا لم يتم التحرك على مختلف المستويات إلا بعد تدخل جلالة الملك؟
ولتوضيح هذه الملاحظات يتحتّم علينا أن نجيب عنها باعتبارها أسئلة تم طرحها:
أولا: في الحديث عن الأسئلة فمعلوم أن دخولها للبلاد كان بطريقة غير مشروعة، ذلك أن تجارة الأسلحة محظورة، ولكنها تدخل بطرق التهريب المختلفة وهنا يبرز سؤال آخر، هل كل من يمتلك قطعة سلاح هو مهربها أم أن هناك (وكالات منظمة) تقوم على هذه العمليات وتهدف إلى إغراق المجتمع بهذه الأسلحة، ثم أن هذه الأسلحة ــ وأعني في المناطق التي يدور الحديث عنها ــ هل سبق وأن رفعت يوماً ضد الدولة الأردنية عبر امتداد تاريخها، أم أنها كانت عوناً وسنداً لها منذ بدء الثورة العربية الكبرى وليس انتهاءً بأحداث قلعة الكرك.
وثمة أمر آخر هو أن اقتناء وحمل السلاح في مجتمعنا هو موروث وتقليد اجتماعي يصعب التخلص منه في ظل وجود الخوف الكامن في النفوس من وقوع صدام مسلح مع العدو المؤكد والأعداء المحتملين مع هذا البلد الذي أصبح يعاني من النكران والجحود لما قدّم لأمته وقضاياها من الداني قبل القاصي.
ثانياً: عن الدافع لهذا السلوك، هل غفل المتحدثون والمحللون أم تغافلوا عن الناحية النفسية والحماس الداخلي الذي يختلج في النفس وعند خروجه يكون التعبير عنه بما يلائمه من تصرفات خارجية وليس هناك أقوى تعبيراً من إطلاق النار، ولا أظنّ أحداّ سكن الأرياف والبوادي نسي ما كان يتمّ في الأفراح من إطلاق نار مصحوباً بالأغاني والأهازيج الحماسية.
ثالثاً: أما عن أماكن وجود هذه الأسلحة ومدى انتشارها فلا أظن هناك بيتٌ أردنيٌ يخلومنها إلا من حالت ظروفه المادية دون ذلك.
وأمرٌ آخر ، لماذا الحديث عن ضرورة جمع الأسلحة وسحبها من المواطنين في هذه الظروف؟ هل هو امتداد لحديث سابق بهذا الخصوص كلنا سمعه ، أم أنه برنامج جديد يتم إعداده لتنفيذ مخططات خارجية تفرض علينا، و الأَولى من ذلك البحث عن آلية لوضع هذه الأسلحة في إطار قانوني يضبط عملية اقتنائها للعودة إليها عند الحاجة.
رابعاً: العشائرية في الأردن هي مصدر قوة و دعم للنظام و رديف للأجهزة الأمنية عَلِمَ من عَلِم، و جَهِلَ من جَهِل، وهي ليست بالشيء المستحدث أو الهجين، بل هي عريقة وقديمة وامتداد لموروث عربي أصيل، كما أنها في فترات غياب سلطة الدولة كانت تشكل نظاماً بديلاً للدولة ، ولا زالت التقاليد العشائرية ونظام القضاء العشائري معمولاً بهما حتى اليوم، هذا النظام الذي ساهم في حقن الدماء و حلِّ كثير من المشاكل التي ما كان لها أن تحل لولا وجود هذا النظام، فهل العشائرية مصدر تخلف وإشكاليات أم مصدر قوة وانضباط، هل هتفت العشائر بصفتها العشائرية ضد الدولة في يوم من الأيام، وهل قامت ــ بصفتها هذه ــ بأي عمل ضد الدولة أو سعي لضعضعة نظامها وتقويضه.
خامساً: إن التغريدة التي خرج بها جلالة الملك بوصفه وصفته رئيساً ورأساً لجميع السلطات هي التي جعلت كلاً يسعى للقيام بواجبه، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن كثيراً من المواقف التي حدثت لم يتم اتخاذ قرار بها إلا بعد تدخّل جلالة الملك وهنا لا بد من وقفة تدبر فهل مطلوب من جلالته أن يأخذ دور كل مسؤول ويقوم بالواجب بدلاً منه، إن المسؤولية ليست محصورة في جلالة الملك وهو الذي لديه من الأعمال و الأعباء ما يكفيه، ولكنه عندما يلمس تقاعساً أو تقصيراً هنا أو هناك يتدخل بنفسه لإصلاح الخلل والشواهد كثيرة.
أما عن مدينة معان بعشائرها العريقة وأبنائها الطيبين، فهي شأنها شأن جميع مدن الأردن وقراه، وعشائره وأبنائه، عليها ما عليهم، لكنها لم تتمتع بميزة لها ما لهم، في مدينة تعتمد على الذات،بها نسبة من البطالة عالية مقارنة بغيرها، وتفتقر إلى المشاريع التنموية المدروسة جيداً، وإن قيل أن من أبنائها الوزراء و أصحاب المراتب العالية في الدولة نقول إن هذا صحيح، ولكنه عدد لا يتباسب و حجم هذه المدينةالتي هي مركز المحافظة، كما لا يتباسب مع التاريخ العريق لها، فهي بوابة الفتح الإسلامي خارج الجزيرة ومنها كانت الطريق إلى مؤتة، وهي البوابة الشمالية الأولى للثورة العربية الكبرى، وهي المنطلق الأول للصحافة في الأردن ( الحق يعلو) وهي العاصمة الأولى والبوابة الأولى للديمقراطية الحديثة في هبّة نيسان 1989 تلك الهبّة التي سمحت نتائجها بظهور بعض الأبواق والأقلام المأزومة والمأزورة للحديث عنها بما لا يليق.
أذكّر الناسين بتاريخ هذه المدينة وأدعوهم لقراءته قراءة متمعّنة وعميقة علّهم يثوبوا لرشدهم، فهي مدينة الشهيد منصور كريشان قائد كتيبة أم الشهداء، وأذكّر بدماء أبنائها التي انتقلت من أجسادهم لتديم الحياة لغيرهم عقب كل حادث سيريقع على طريق الموت ( الصحراوي) من جرف الدراويش شمالاً حتى دبة حانوت والمدورة جنوباً، أذكّر بزاد سبيلها الذي ما زال في بطون البعض من عابري سبيلهاالذين مرّوا من هناك ـــ ( هذا القول لن تسمعه من أحد أبناء مدينة معان، لأنهم يعطون بلا منٍّ و لا ينتظرون مقابلا) ـــ، وأبناؤها ــ حالهم كحال إخوانهم الأردنيين من العشائر الأخرى ــ لهم من عزة النفس وكبريائها ما يجعلهم يمتنعون عن طلب الأعطيات .. نعم (يمتنعون) ولا (يتمنّعون).
أذكّر الناسين أن الأردنيين لهم قلوب الأسودفي صولتها، ولكنهم ليسوا أسوداً في خيمة (سيرك)، لأنهم لا يعرفون هذه الخيام وأشباهها، وهم لم يدجّنوا ويروّضوا لأنهم كالحميرــ أجلّ الله القارئ والمستمع ــ فالحمار دجِّن ورُكِب، بل لأن لهم طباع الذئاب التي لم يمكن ترويضها و تدجينها.
و أما المتباكون على ما آل إليه حالنا من سوء في الأوضاع الصحية و الاقتصادية و و و ...إلخ أقول : إن جميع مناحي الحياة لدينا في تدهور سوى الجانب الاجتماعي الذي لا زال يحافظ على تماسكه و انسجامه، وهو بذلك يشكل ركيزة ثباتنا وبقائنا، وأستحلفكم بالله أن لا تحاولوا العبث به حتى لا نصل لنقطة اللاعودة، وحينها لن نجد لنا أصابع نعض عليها، وإذا كانت الأوجاع تصيب قلوبكم ألماً على ما آل إليه الحال، فلتتجه الأقلام و الأبواق نحو جحور الفساد و سكانها، وليستغن أصحاب الوظائف و المناصب العديدة منكم عن بعض ما ( سرقوا) و يتركوها لغيرهم ليعمّ النفع ونقلّل من نسب البطالة والفقر.
و خاتمة القول..
الأردن بخير.... بشعبه المعطاء وقيادته الحكيمة .... و دعاؤنا لله تعالى أن يقيه شر ما بداخله