مدار الساعة - كانت شركة الهند الشرقية واحدةً من أكبر الشركات وأكثرها هيمنة في التاريخ، ومارست أعمالها قبل فترة طويلة من ظهور عمالقة التكنولوجيا أمثال أبل وجوجل وأمازون.
وفي أوج مجدها، كانت شركة الهند الشرقية الإنجليزية أكبر شركة من نوعها، كما كانت أيضاً أكبر من عدة دول، إذ كانت في الأساس الإمبراطور الفعلي لأجزاء كبيرة من الهند، التي كانت واحدة من أكثر الاقتصادات إنتاجية في العالم خلال تلك المرحلة، وذلك وفقاً لما ذكره موقع History الأمريكي.
ولكن عندما ضعفت سيطرة الشركة على التجارة في أواخر القرن الـ18، وجدت الشركة دوراً جديداً لها تمثل في بناء إمبراطورية.
وفي مرحلة ما، قادت تلك الشركة الضخمة جيشاً خاصاً مكوناً من 260 ألف جندي، أي ضعف حجم الجيش النظامي البريطاني.
وكان هذا النوع من القوة البشرية أكثر من كاف لتخويف ما تبقى من المنافسين، وغزو الأراضي، وإجبار الحكام الهنود على التوقيع على عقود تصبّ في مصلحة طرف واحد وتمنح الشركة سلطات ضريبية مربحة.
وكانت شركة الهند الشرقية الجديدة عبارةً عن احتكار، بمعنى أنه لا يمكن لأي رعايا بريطانيين آخرين التجارة بشكل قانوني في تلك المنطقة.
لكنها واجهت منافسة شرسة مع الإسبان والبرتغاليين الذين كان لديهم بالفعل مراكز تجارية في الهند، وشركات جزر الهند الشرقية الهولندية أيضاً التي أنشئت عام 1602.
وكان لإنجلترا، مثل بقية دول أوروبا الغربية، رغبة في الحصول على السلع الغربية الغريبة مثل التوابل والمنسوجات والمجوهرات.
لكن الرحلات البحرية إلى جزر الهند الشرقية كانت محفوفة بمخاطر هائلة متمثلة في الاشتباكات المسلحة مع التجار المنافسين، والأمراض الفتاكة مثل الإسقربوط.
بينما كان الاحتكار الممنوح بموجب الميثاق الملكي يحمي على الأقل تجار لندن من المنافسة المحلية، بينما يضمن أيضاً دفع رشوة للسلطة التي كانت في أمسّ الحاجة إلى الأموال.
مثلاً، كانت الشركة هي أكبر شركة مساهمة والأطول عمراً في يومها، ما يعني أنها جنت رأس المال وجمعته عن طريق بيع الأسهم للجمهور.
وكان يحكمها رئيس، إلى جانب "مجلس مراقبة" أو "مجلس إدارة" أيضاً.
لكن على عكس اجتماعات مجلس إدارة الشركة الرصين نسبياً اليوم، كانت اجتماعات شركة الهند الشرقية صاخبة يحضرها مئات المساهمين.
وبينما منحها الميثاق احتكاراً ظاهرياً في الهند، سمحت الشركة أيضاً لموظفيها بالمشاركة في التجارة الخاصة جانباً.
في البداية، لم تملك الشركة الكثير من الأموال لتدفع لموظفيها مقابل هذا العمل الخطير بدرجة كبيرة، لذا احتاجت إلى تقديم حوافز أخرى.
لذلك فقد تاجر موظفو الشركة داخل نطاق القواعد التي منحتها الشركة وخارجها، فكان هناك الكثير من الفرص للتلاعب والغش والتهريب.
لكن بدأ ذلك يتغير مع غمر الأسواق البريطانية بمنسوجات قطنية منسوجة بشكل جميل وغير مكلف من الهند، حيث أنتجت كل منطقة من البلاد أقمشة بأنماط وألوان مختلفة. وعند وصول نمط جديد، كان يلقى رواجاً في كل شوارع لندن.
فقد ظهرت فرصة ارتداء ملابس على الموضة الصحيحة، والتي لم تكن موجودةً من قبل، لذلك ويظن الكثير من المؤرخين أن تلك هي بداية ثقافة المستهلك في إنجلترا.
وعلى الرغم من أن شركة الهند الشرقية كانت من الناحية الفنية شركة خاصة، فإن ميثاقها الملكي وموظفيها الجاهزين للمعركة منحوها ثقلاً سياسياً.
حيث استدعى الحكام الهنود رؤساء الشركات المحلية إلى المحكمة وانتزعوا الرشاوى منهم، واستخدموا قوة الشركة في الحرب الإقليمية وأحياناً ضد الشركات التجارية الألمانية أو الفرنسية.
وركزت إمبراطورية المغول قوتها داخل الهند، تاركة المدن الساحلية أكثر عرضة للتأثير الأجنبي.
من البداية، كان أحد الأسباب لحاجة الشركة الماسة لرأس المال المجمع هو الاستيلاء على مواقع تجارية أمامية محصنة وبنائها في مدن الموانئ مثل بومباي ومادراس وكالكوتا.
وعندما انهارت إمبراطورية المغول في القرن الـ18، اندلعت الحرب في الداخل، ما دفع المزيد من التجار الهنود إلى تلك الممالك الصغيرة الساحلية الواقعة تحت إدارة الشركة.
تمثل الجواب، في معظم الحالات، في موظف الفرع المحلي للشركة الذي كان هو الحاكم لكل ولاية.
فنظراً لقلة الاتصالات بين لندن والمكاتب الفرعية (إذ كان يستغرق الخطاب ثلاثة أشهر في كل اتجاه)، كان يُترك لموظف الفرع مسؤولية سن القوانين التي تحكم مدن الشركة، مثل بومباي ومادراس وكالكوتا، وإنشاء قوات شرطة محلية وأنظمة عدالة.
إذ وضعت المعركة 50 ألف جندي هندي تحت حكم "نواب البنغال" حاكم ولاية البنغال في مواجهة 3000 فقط من رجال الشركة.
وكان "نواب" غاضباً من الشركة بسبب مناوراتها للتهرب من الضرائب، لكن ما لم يكن يعرفه أن القائد العسكري للشركة في البنغال روبرت كلايف أبرم صفقة سرية مع المصرفيين الهنود، لذا رفض معظم الجيش الهندي القتال في معركة بلاسي.
ومنح فوز كلايف الشركة سلطات ضريبية واسعة في البنغال، التي كانت آنذاك واحدة من أكثر المقاطعات ثراءً في الهند.
ونهب كنوز الحاكم "نواب" وشحنها إلى لندن واحتفظ لنفسه بالكثير منها بالطبع.
كما أن أفعال الشركة في البنغال كانت بمثابة تحولٍ جذري في مهمة الشركة، إذ كانت تركز تجارتها على الربح التجاري فتغير إلى نموذج يركز على تحصيل الضرائب.
وعام 1784، أقر البرلمان البريطاني "قانون الهند" لرئيس الوزراء ويليام بت، الذي ضمّن رسمياً الحكومة البريطانية في السيطرة على حيازات الشركة من الأراضي في الهند.
وعندما صدر هذا القانون لم تعد الشركة قوة تجارية مهمة للغاية ولا قوة حاكمة مهمة في الهند. إذ تولت الإمبراطورية البريطانية الزمام.
إذ كانت الصين تقايض الشاي بالفضة فقط، لكنها كانت سلعةً نادرة في إنجلترا.
لذا انتهكت الشركة حظر الصين للأفيون عبر السوق السوداء لزارعي الأفيون الهنود والمهربين. ومع تدفق الشاي إلى لندن، صار مستثمرو الشركة أثرياء وضاع ملايين الصينيين في براثن الأفيون.
وعندما فرضت الصين إجراءات صارمة على تجارة الأفيون، أرسلت الحكومة البريطانية سفناً حربية، ما أدى إلى اندلاع حرب الأفيون عام 1840.
وتسببت الهزيمة المخزية للصين في السيطرة البريطانية على هونغ كونغ، لكن الصراع سلط المزيد من الضوء على الصفقات المبهمة التي تعقدها شركة الهند الشرقية تحت مسمى الربح.
وبحلول منتصف القرن الـ19، بلغت معارضة حالة الاحتكار للشركة أعلى مستوياتها في البرلمان وأججتها حجج آدم سميث عن السوق الحرة.
في النهاية، لم يتعلق موت الشركة في السبعينيات بالغضب الأخلاقي إزاء فساد الشركة (الذي كان هناك الكثير منه)، بل تعلق أكثر بالسياسيين ورجال الأعمال الإنجليز الذين أدركوا أنه يمكنهم جني المزيد من الأموال من التجارة مع الشركاء الذين يمتلكون أساساً اقتصادياً أقوى، وليسوا رعاة أسرى لدولة شركة.