مدار الساعة - لقرون، مثّل القارئ عنصراً هامشياً في الإبداع، قبل أن تظهر مدرسة "كونستانس" الألمانية منتصف القرن الماضي وتجعل منه محور ما عُرف بـ"نظريات التلقّي" التي باتت تدرس الأدب من زاوية القارئ تحديداً، ثم واصل هذا الجهدَ السيميولوجي الإيطالي أومبرتو إيكو في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، حين أكّد أن النص الأدبي عبارة عن آلة كسولة لا تتحرّك إن لم يكن هناك جهد من القارئ قد يكون أحياناً نفس مقدار الجهد الذي وضعه الكاتب وهو يؤلّف نصّه. على المستوى النظري، صبّت هذه التنظيرات في مدوّنة الباحث الأدبي الفرنسي فانسان جوف؛ حيث اعتبر أنه لا توجد قراءة بالمعنى الذي نفترضه (استهلاك نص) بل توجد "قراءة - كتابة"، وهو ما يسمّى اليوم ضمن مدوّنة البحث الأدبي الفرنسي بـ lirécriture.
انطلاقاً من هذا المفهوم، وضعت الباحثة صوفي رابو كتاباً صدر مؤخّراً بعنوان "فنّ أقلمة النصوص" (منشورات أناكراسيس)، وهو عمل توجّه فيه دعوة صريحة بأن يأخذ القارئ اليوم "مقاليد السلطة" في يده، حيث عليه أن يعيد كتابة ما يقرأ بشكل جدّي، على خلفية أن ما كُتب لقارئ زمن آخر لا يمكن أن يُعطي ثمرته للقارئ الحديث.
ما تذهب إليه المؤلفة كان محلّ جدل لعقود؛ حيث يرى كثيرون أنه من غير المجدي مراجعة نصوص كلاسيكية بل تكفي الإشارة في الهوامش إلى هذا النوع من الملاحظات، باعتبار أن تنقيح النصوص يعني في النهاية فرض قراءة على قراءات محتملة أُخرى. تجادل رابو هذا الرأي؛ حيث ترى أن بعض نماذج القراء (وتقصد بالخصوص التلاميذ) يأخذون النص كما هو ويبنون من خلاله قيمهم، ولا يوجد أي تأثير لم يُضئه أساتذتهم حول تاريخ نص من النصوص كما يندر أن يجعلوا من معلومات الهوامش في نفس أهمية النص الأصلي.