بقلم: زيد أبو زيد
استهل وزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور تيسير النعيمي تصريحاته الصحفية هذا العام بالقول إن العام الدراسي المقبل 2020/2021 قائمٌ في موعده مدرسيًّا للطلبة، ووجّه جميع القائمين على أمور التعليم في إدارات الوزارة ومديرياتها والمؤسسات الشريكة إلى عام دراسي مميز ومنتج، وكانَ واضحًا أن قراره المستند إلى مرجعيات الوزارة والدولة المختلفة وازن بين مطلبي التعليم والصحة في الوقت الذي كانت الحالة الوبائية لجائحة كورونا "كوفيد19" تسجل أرقامًا متواضعة قياسًا بالعالم.
ولكن الدكتور النعيمي لم يستبعد بالمطلق استشرافيًّا اللجوء إلى مختلف أشكال التعليم وجاهيًّا وعن بعد وإلكترونيًّا؛ لأن العالم كله كانَ يترقّب موجة ثانية من الجائحة، وكنّا أيضًا في الأردنّ نراقب الكلفة على المجتمع لفتح المطارات وعودة أبناء الوطن الذين تقطعت بهم السبل، أو من زوّار الوطن علاجيًّا، ولمتابعة استثماراتهم، ولضمان انسيابية البضائع، وتسيير خطوط الإنتاج، وإعادة عجلة الحياة للاقتصاد الوطني حفاظًا على اقتصاد وطني يقوم على خدمة ملايين العاملين، وهذه قرارات وإجراءات تحمل أبعادًا كثيرة على الحالة الوبائية.
وفعلًا فقد بدأ دوام المعلمين والمعلمات في المدارس يوم 25/8/2020، تحضيرًا للعام الدراسي، وهُيِّئَتْ مؤسساتُنا التعليمية لاستقبال الطلبة وتجهيزها بالأثاث الجديد لمن كانت تعاني نقصًا بالرغم من معرفة الوزارة وتقديرها لظروف الجائحة التي عطلت لأشهر عطاءات تنفيذ وتسليم الكتب والأثاث، وحتى صيانة بعض المدارس، إلّا أنَّ القرار ببدء التعليم كانَ واضحًا وحاسمًا، ودخلت وزارة التربية والتعليم في ورشة عمل كبرى لتدريب المعلمين والمعلمات وموظفي المديريات والوزارة على البروتوكولات الصحية، وتهيئة الطلبة عبر الإعلام للعودة إلى المدارس؛ لأنها كانت تعلم أن غياب الطلبة الطويل عن المدارس له كلفته التربوية والاجتماعية والنفسية، وأنها عودة قد تحمل بعض الأخطار الصحية، لأنَّ الجائحة ما زالت مستمرة، من هنا فقد عملت الوزارة على بروتوكول صحي بالتعاون مع وزارة الصحة، كانت تتجدَّدُ تفاصيله يوميًّا في تعاملنا مع وباء خبيث يحتار العالم كله في التعامل مع مظاهره وآثاره ونتائجه على كل القطاعات.
من هنا كانت عودة الطلبة للمدارس منذ البداية ترافقها اعتبارات وشروط صحية تحافظ على صحة الطلبة والمعلمين، وبقيت خاضعة لتطورات الوضع الوبائي في المملكة، ومرت الأيام الأولى استدركت فيها الوزارة فجوات التعلم عند الطلبة في المواد والمفاهيم الأساسية التي فاتتهم في العام الماضي، وكان مؤكدًا أنَّ القاعدة العامة لدوام المدارس سيكون بشكله الطبيعي، بوجود سيناريوهات للعودة إلى المدارس وفق الوضع الوبائي في المدينة أو الحي أو المحافظة.
إلّا أن الحالة الوبائية تفاقمت عالميًّا ومحليًّا؛ فكان القرار المتدرج في تعليق دوام الطلبة من الصفوف الرابع وحتى الحادي عشر، ثم باقي الصفوف بعد أن تشكلت قناعة بأن الحياة المدرسية الطبيعية في هذا الوقت ستكون نتائجها خطيرة؛ فكان اللجوء إلى قرار التعليم عن بعد، وتقييم عبر المنصات الذي تَبَيَّنَ فيه أنَّ التعليم عن بعد ليس ترفًا وإنّما ضرورة في ظل الحالة الوبائية الراهنة، والحفاظ على صحة المعلمين والطلبة وجميع العاملين في وزارة التربية والتعليم هي الأولوية في ظل هذه الحالة الوبائية، وأن عملية التحول الرقمي هو خيار المستقبل، وهذا يعني أن التعليم الإلكتروني هو المعزز والداعم للتعليم المباشر، ولا بد لنا من أن نواكب متطلبات العصر حتى لا تكون هناك فجوة تعليمية لدى الطلبة.
علمًا أن التعليم الوجاهي هو القاعدة والتعليم عن بعد هو الاستثناء في جميع المدارس حيث إنَّ قرابة 8000 مدرسة حكومية ومؤسسة تعليمية خاصة وأكثر من مليوني طالب وطالبة تلقوا تعليمهم في تلك المدارس، وقرابة 130 ألف معلم ومعلمة وإداري وإدارية يقدمون الخدمة للطلبة.
ولكن بعد أن وصلت الحالة الوبائية إلى أرقام صعبة حيث تحولت 1030 مدرسة حكومية وخاصة إلى التعليم عن بعد خلال شهر ونصف من بداية الفصل الأول، وتسجيل أكثر من ألف إصابة بين المعلمين والطلبة والإداريين والمستخدمين العاملين في المدارس ومديريات التربية ومركز الوزارة، فكانت القرارات غير المفاجئة للوزارة التي بادرت إلى وضع خطة متكاملة للتحول نحو التعلُّم عن بعد، مستندة إلى تجربة منصة درسك/1، وقنوات البث التلفزيوني عند تعلق دوام المدارس في 15/3/2020.
فالأردن كما العالم كان أمام خيارات عديدة أتاحتها الجائحة بالمزاوجة بين التعليم التقليدي الوجاهي والإلكتروني وجاهيًا وعن بعد الذي طبق عبر التعليم المتمازج.
إنَّ وزارة التربية والتعليم لم تفترض منذ اليوم الأول أنَّ التجربة ستكون مكتملة التطبيق ومثالية، لكنها كانت على ثقة أنَّ البداية ستكون واعدة وستكتمل شيئًا فشيئًا كالكائن الحي؛ لأن رهانها كان على المعلم والطالب وولي الأمر والشركاء جميعًا، وهي التجربة الأولى التي يدخل فيها ملايين الطلبة على منصة في وقت واحد تعليمًا وتقييمًا؛ حيث سُجِّل دخول مليون طالب في يوم واحد لتقديم امتحانات اليوم التقييمي الأول، وهو نجاح لا يمكن لسلبية هنا أو هناك أن تنفيه.
إننا لا نتحدث عن التعليم عن بعد بوصفه بديلًا عن التعليم المدرسي، وإنما داعمًا ومعززًا له، يدفع باتجاه أن يكون المتعلم نشطًا وأن يكون المعلم غير ملقّن في سياق التعلُّم مُتعدِّد القنوات في كل الظروف والحالات الناشئة، وتتطلب عملية التعليم المتمازج تخطيط المعلم لأنشطة صفية تفاعلية مرنة بين الطلاب كالعمل التعاوني، مرتبطة بأنشطة فردية للتعلم مراعيةً الفروق الفردية، ونموّ التعلم عند الطلبة، وكلا الأنشطة تنمي مهارات التفكير العليا، وفي التعليم المتمازج بين التقليدي والإلكتروني توجد ضرورة للتقييم المستمر لأداء الطلبة لإثارة الدافعية وكسر جمود الحصة الصفية.
إن التعلم المتمازج يخدم مهارات القرن الواحد والعشرين، ويربط التعلم الصفي بالخبرة الحياتية، ولذلك أطلقت منصة درسك/ 2، وهي منصة للتعليم عن بعد أو التعلم عن بعد تقدمها وزارة التربية والتعليم للطالب والمعلم والمجتمع مجانًا ضمن مُدَدٍ زمنية محددة ومنظمة مسبقًا، ويتم تطويرها تقنيًّا وفنيًّا بشكل دوري لتجاوز أي ثغرات وقعت عند التطبيق، ومنصة درسك/2 تحمل فنيات جديدة متطورة تعطي مجالًا لتفاعل الطالب والمعلم والنظام التربوي والإدارة التربوية، وتقدم تغذية راجعة للطالب والمعلم عن مستوى الأداء، وتعزز مبدأ التعلم.
وتمثل فرصة حقيقية للطالب لاستمرار التعليم، وبالنسبة إلى المعلم فإنه يرى علاقاته التدريسية، ويتمكن من تحفيز طلبته ضمن خطط للتواصل والتفاعل يوفرها النظام؛ ما يرفع من دافعية الطالب للتعلم لإكمال دورة التعلم عن بعد بنجاح.
كما وإن منصة درسك /2 توفر تعليم طوال الوقت في المُدَدِ المحددة والمنظمة، حيث لا ضياع لوقت التعلم والتعليم، ففي برنامج التعلم عن بعد يكون التعلم من أي مكان؛ إذ يمكن للطلاب الذين ليس لديهم الوقت الكافي اللجوء إلى التعليم عن بعد بوصفه خيارًا متاحًا، ومتابعته في أي وقت.
يأتي التعليم عن بعد لاستمرارية التعليم بعد تزايد أعداد الحالات داخل المدارس، إذ كان لا بد من اتخاذ القرار للتحول إلى التعليم عن بعد حتى لا تتحول مدارسنا إلى بؤر لنشر الوباء، وبما أن الحالة الوبائية متغيرة وليست ثابتة فالقرارات الصادرة عن الحكومة والوزارة ستكون متغيرة اعتمادًا على الحالة الوبائية، وهنا نجد أنَّ العودة الطبيعية للمدارس ستكون قريبًا بعون الله مسألة حتمية.