بقلم : د.عبدالله محمد القضاه
يخلط الكثيرون بين نقد الشخصيات العامة والتعرض للحياة الخاصة لهم ولعائلاتهم، وربما أن حالة الديمقراطية التي إعتادها المواطنون ساهمت في تعزيز هذا الخلط ، ولم نشهد في تاريخ المملكة سلوكا غير اخلاقيا كالذي انتهجه بعضا من الاردنيين عقب قرار إعلان حكومة الدكتور بشر الخصاونة والمتمثل في تتبع عورات المسؤولين والتعرض للحياة الخاصة لأسرهم وأبناءهم !.
الأعراف الديمقراطية تبيح نقد الشخصيات العامة ضمن الأداء العام ، ولا يكون النقد من أجل النقد وإنما من أجل التحسين والتقويم ، وهذا يتطلب تقديم البديل الأفضل الذي يخدم مصلحة الوطن والمواطن، أما ما تعرَّضت له شخصيات من الحكومة الجديدة فيعد انتهاكا للحياة الخاصّة لهم وتنمّرا بعيدًا عن النقد الموضوعي وهذا يقع ضمن دائرة الإساءة والتشهير الذي لم يعتاد المواطن عليه.
إمتهان الحرمات وتتبع عورات الناس وتشييع أسرارهم وإقتحام خصوصياتهم وإيذائهم أمرا ترفضه قيمنا العربية الأصيلة وتعاليم ديننا الحنيف ، فـ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَال : صَعدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المنْبَرَ فَنَادَى بصَوْتٍ رَفيعٍ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ.
، و حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفارٌ من نُحاس، يخمشُون وجوههم وصدورهم، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم"؛ صحيح أبي داود، والغيبة وتتبُّع عورات المسلمين من البغي الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بابان مُعجَّلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق".
كما أوصى رسولنا العظيم على عدم إيذا أهل الذمة بقوله عليه السلام :"من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله".
وفي دولة القانون والمؤسسات ، وضعت تشريعات لضبط مثل هذه السلوكيات وتجريمها ومنها قانون الجرائم الإلكترونية حيث نصة المادة الحادية عشر منه على أنه " يعُاقب كل من قام قصدًا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن (100) مائة دينار ولا تزيد على (2000) ألفي دينار.
وقد أكد ميثاق الشرف الصحفي على احترام سمعة الأسر والعائلات والأفراد وسرية الأمور الخاصة بالمواطنين، وعدم نشر مواد صحفية من مصادر أخرى لا تلتزم بمبادئ احترام الحياة الخاصة، ومراعاة الخصوصية الفردية وحُسن التعامل مع الأشخاص الذين تتناولهم الأخبار.
وباختصار فإن ماتعرضت له الشخصيات الحكومية من إساءة وإنتهاك للحياة الخاصة يعد أمرا مرفوضا وتقع علينا جميعا مسؤولية محاربته والحد منه ، كما وندعوا كافة جهات التنشئة الإجتماعية في الدولة أن تتبنى إستراتيجية وطنية لمقاومة هذه الظاهرة بطريقة علمية ممنهجة.