بات المزاج العام للجمهور الأردني معروفاً تجاه الحكومات التي تتعاقب، فمهما كانت الحكومة تملك من حكمة لتستفتح بها عهدها فهي لا تمتلك حرفية إنجاحها أكثر من الأشهر الأولى، حتى بات المراقبون يحصون لها الأيام والأشهر ويتساءلون عن إنجازاتها وعن إخفاقاتها أكثر، ومع أن الأغلبية العظمى من المواطنين الكادحين لا يلقون بالاً بمن جاء ومن ذهب، فإن الملتصقين بطبقات المال والأعمال والسياسة هم الأكثر اهتماماً بتقريض أعمال الحكومات ومحاولة تقويضها، واليوم لا زال الكثير منهم يتبادلون المعلومات عن قرب رحيل الحكومة، معتمدين على التقهقر في إدارة ملف كورونا وبعض الأزمات التي وقعت، فهل تغيير الحكومات يغير الواقع وحالة البلاد العامة؟
في تاريخ الدولة الأردنية كان هناك رؤساء حكومات جلسوا على سرج الحكومة سنين طويلة، ولعل أطولهم بقاءً على رأس الحكومة كان إبراهيم هاشم الجعفري من نابلس، الذي تعاقب على خمس حكومات عبر 25عاماً، أولها عام 1933 حتى عام 1958 حيث قتل في العراق، فيما تزعم توفيق ابو الهدى اثنتي عشرة حكومة عبر سبعة عشرعاماً منذ عام 1938 حتى 1955، فيما سبقهم الرئيس خالد حسن أبو الهدى بثلاث فترات حكومية من 1923 حتى 1931، وهو من حلب بالمناسبة، ولا صلة نسب له بتوفيق ابو الهدى من عكا، أما سمير الرفاعي فقد مكث رئيساً عبر 19 عاما ما بين 1944 حتى 1963، وكانت أقصر حكومة عمراً لحسين الخالدي ومدتها تسعة أيام فقط في نيسان 1957.
كان الأردن مبتدئا من الإمارة إلى الملكية آنذاك، وفي أضعف حالاته اقتصاديا ولكنه أدار السياسة الداخلية والخارجية، تحت ظل الانتداب البريطاني، برعاية حصيفة مكنته من البقاء، والأردن يعج آنذاك بالزعامات الوطنية والرجالات العظماء.
وفي بداية عقد الثلاثين من القرن المنصرم، ضربت الأردن جائحة القحط حتى أحصت المعلومات وفاة الكثير من المواطنين جوعاً، ما استدعى حكومة هاشم لطلب المعونات العاجلة من إنكلترا، وتم توزيع الطحين على السكان، وفي ذات الوقت كان العرب الأردنيون يلتحقون بمجموعات المجاهدين ضد العصابات الصهيونية على أرض فلسطين بداية الثورة، والأحزاب الوطنية تتشكل على مبادى وطنية عربية فائقة الطموح، والجميع متحفز لتحقيق الاستقلال وإعلان الدولة المستقبلية بأفضل أشكالها، دون الخشية من موت أوفقر أو تحصيل الامتيازات والحيف على الناس.
اليوم باتت الروح الوطنية متقهقرة في ظل تكالب المصائب، وليس آخرها وباء كورونا، الذي لم يعد كثير من الناس يؤمن بجدوى الحرب عليه، فقد بات أشبه بالذئاب المنفردة، حسب المصطلح العالمي للحرب على إرهابهم، وهذا التقهقر تسببت به حالة الإحباط الكبير الذي خلقه المسؤولون في أكثر من قطاع يلامس حياة المواطنين مباشرة، ما فتح أبواب الآراء والانتقادات والسخط على أقل تصريح حكومي أو من أي مصدر رسمي لا يعجب الجمهور، فيطالبون برحيل الحكومة دون أي بدائل وآليات لإعادة الوضع كما سبق من سنوات وأي حكومة تستطيع ذلك.
إن رحيل الحكومة العاجل لن يحل أي مشكلة، ومع اختلافنا الكبير معها فإن أي حكومة قادمة لن تجلس أكثر مما جلس ابراهيم هاشم سابقاً، فمجلس النواب دستورياً سينتهي عمره خلال أسبوع، والانتخابات أقرب الى الباب، ويبقى القرار بيد جلالة الملك بالتغيير. الرأي
Royal430@homail.com