انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات أحزاب رياضة وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

لم يكن يخلع بزته العسكرية إلا عند النوم.. واليوم يرحل بعد ان أعياه المرض وحاصرته الظروف

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/13 الساعة 20:39
حجم الخط

مدار الساعة - كتب: الوزير السابق والأكاديمي المعروف الدكتور صبري ربيحات

في سبعينيات القرن الماضي كان ابن عمي وصديقي الرقيب الأول محمد محمود الربيحات الذي يكبرني بسنوات أحد أمثلة الجندية التي يتبدى زهوها وعنفوانها في اللباس والاطلالة والروح المعنوية العالية والمسير.

كان المرحوم احد نجوم جيله وشباب العائلة الواعدين وقد اختار أن يترك التعليم مبكراً كما فعل العشرات من أبناء جيله استجابة لنداءات التجنيد والتعبئة الوطنية التي عمّت البلاد في تلك الأيام.

منذ الأيام الأولى لالتحاقه احب ابو عماد الجندية واخلص لروحها واخلاقها فانخرط في سلاح اللاسلكي ليصبح واحدا من امهر مآمير الاشارة وليترقى مرارا اعترافا باحترافيته وتقديرا لعشقه للمهنة وليغدو ضابط صف مرموقاً وواحداً من الشباب الواعدين في عائلتنا الممتدة.

في كافة الاجازات التي يعود فيها كان محمد محمود العقلة يعود مدججا بالحماس والزهو والكبرياء فقد كان واحدا من العسكريين الاربعة الذين اعتادوا المرور عبر شوارع حي الطفايلة الضيقة وهم يتأبطون بنادقهم الرشاشة ويرتدون الطاقية الحمراء التي ارتبطت بتشكيل النخبة العسكرية "الصاعقة" في تلك الايام.

كان النقيب سلمان الخوالدة ضابطا وسيما تقله سيارة جيب عسكرية تتراقص من على سقفها الهوائيات التي تدلل علي اهمية من فيها والطبيعة العملياتية لحركتها... في كل مرة يترجل الشاب الوسيم من السيارة التي تميزت بالدمغة الحمراء على مقدمتها اليسرى يسارع الى صعود الادراج المؤدية الى منزل عائلته برشاقة وديناميكية تعكس لياقة ضباط الوحدات المختارة في تلك الايام.

وكما يسير سلمان بيك الخوالدة بخطوات ملفتة تختلف عن كل رفاقه من ضباط الاسلحة الاخرى كان يفعل بركات السعود ومحمد احمد العكايلة ومحمد محمود الربيحات وكل منتسبي القوات الخاصة الذين تمثلوا كل ما تلقوه في ميادين الرجولة والفداء.

فقد كانوا نجوما بكل ما تعنيه الكلمة من معنى يعبرون عن روح ومعنويات الامة القابضة على السلاح والمشبعة بالامال والمتطلعة الى مستقبل ابهى.

في تلك الايام كنت شابا يافعا في السنوات الاولى من حياتي الجامعية وكنت اعرف جيدا معنى ان يكون الانسان فخورا بعمله.. يومها لا اذكر اني رأيت في محيط عائلتي من يفخر بمهنته ويحترم قياداتها ويشبع الفضاء بالزهو والاعجاب بشجاعتهم ورجولتهم وجنديتهم كما فعل أبو عماد.

لقد تعلق ذلك الشاب المثقف المبتسم المحب بالسلاح والمواطنة والجندية تعلقاً لا يضاهى فلم يكن يخلع بزته العسكرية إلا عند النوم

وقد كان شغوفا بالوانها ومعانيها واشاراتها ونياشينها فقد احب اشارة المضلي وشعارات الصاعقة ولم يكن يلبس قميصه الا منشياً كيف لا وهو مأمور الاتصالات المرافق لقائد القوات الخاصة العقيد احمد علاء الدين ابهى القادة طلة واكثرهم اشراقاً وهو منتسب إلى أكثر تشكيلات قواتنا المسلحة تعبيرا عن الشجاعة والاقدام والرجولة التي يتحلى بها الأردني.

اليوم يرحل ابو عماد بعدما اعطى للوطن وللابناء وللجندية كل ما لديه رحل بعد ان اعياه المرض وحاصرته الظروف وضنك الايام رحل وفي صدره الكثير من الاسئلة وفي وجدانه عشرات الاحلام التي طواها والرغبات المشروخة التي آثر ألا يعبر عنها.

في بلادنا يعامل شبابنا كشجيرات الورد الجوري التي نحرص على ريها وقطف دمائها وما ان تقطف زهرات شبابها حتى نتركها لتلقى حتفها.

الرحمة لروحك يا صاحب القلب الطيب والثقافة الواسعة والحس المرهف والخلق الدمث.

وداعا ابا عماد فقد تركت لنا بسمة كتلك ولحظات زهو وانا على يقين بانك مرتاح فانت مثل كل الذين اعطوا اكثر مما نالوا..

نم قرير العين والفؤاد مرتاحا كما الالاف من الرجال الذين امضوا زهرات شبابهم في الميادين وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمغفرة..

مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/13 الساعة 20:39