لست متأكدا فيما إذا كان مشروع الحكومة الجديد حول إعادة إحياء خدمة العلم سيكون مصيره مصير ما سبقه من توجهات حكومية مشابهة. ولكن هذه المرة يبدو واضحاً أن هناك جدية وربما محاولة لتسجيل إنجاز يسجل للحكومة في ملف معقد وكبير، فلطالما كانت قصة محاربة البطالة تحديا يواجه كل الحكومات.
الشكل الجديد كما أعُلن عنه أمس الأربعاء يأتي بصيغة مختلفة وبما يتناسب مع رمزية الاسم «خدمة العلم» وارتباطه المباشر بالمؤسسة العسكرية على ما تملك من مهابة وحضور وتقدير في وجدان الأردنيين.
بنفس الوقت علينا أن نتذكر أن الحكومة لم تفكر خارج الصندوق ولم تأت بما عجز عنه الأوائل. ففكرة إقحام خدمة العلم في حل البطالة كانت حاضرة دائماً في عقل الحكومات السابقة خلال العقدين الاخيرين؛ إذ اعتادت الحكومات المتعاقبة على الحديث عن عودة خدمة العلم بغية التخفيف من البطالة ومحاولة احتواء الأعداد الكبيرة من الخريجين الجدد من الجامعات والمعاهد والباحثين عن فرص العمل إضافة للتدريب العسكري المحدود.
قبل سنوات وتحديداً في شهر آب (أغسطس) من العام 2005 أعلنت الحكومة الأردنية عن برنامج خدمة وطن، وهو خطة مشتركة بين وزارة العمل والقوات المسلحة تهدف لإنشاء صندوق تشغيل وتدريب المواطنين العاطلين بحيث تشرف القوات المسلحة على تدريب وتأهيل الملتحقين في البرنامج، ثم يلتزمون بالعمل لدى شركات القطاع الخاص.
عملية تمويل الصندوق حينئذ تتحقق من عوائد وفروقات تصاريح العمل للعمالة الوافدة بحيث يتطور الأمر تدريجياً لإحلال العمالة المحلية مكان العمالة الوافدة. لكن ذلك المشروع لم يعمر طويلاً كعادة برامج الحكومات. فبمجرد مغادرة الوزير صاحب المشروع يغادر مشروعه معه ويبحث خلفه عن مشروع وبرنامج مختلف يكون مرتبطاً به وهذه من آفات الإدارة العامة الأردنية للأسف.
الحكومة الحالية كانت أعلنت قبل عامين أنها بصدد الإعلان عن عودة خدمة العلم واستيعاب عشرين ألف ملتحق خلال أيام لتدريبهم على المهارات العسكرية عدة أشهر ثم تهيئتهم للعمل في القطاع الخاص، ولكن سرعان ما تلاشى الحديث عن ذلك الأمر كلياً.
البرنامج الجديد تقتصر المشاركة فيه على من لا يعملون، وهذا أمر جيد إذا كان الهدف منه تخفيف البطالة. لكن مدة البرنامج سنة واحدة مقابل مبلغ مائة دينار شهرياً، فماذا بعد انقضاء هذه السنة من الخدمة الالزامية؟ وهل المشكلة في ترحيل البطالة لسنة مقبلة أم هي نقص الموارد البشرية المؤهلة والمدربة أم في عدم وجود فرص عمل قادرة على استيعاب عشرات آلاف الخريجين؟ وهل سيخضع هذا للخدمة مَن ينتظرون دورهم في ديوان الخدمة المدنية من مواليد عام 1991 ممن لا يعملون فما فوق باعتبار أن الفئة العمرية المستهدفة هي بين عمر الــ 25 والـ 29 عاماً.
حتى لا نأخذ الأمر بمنطق عدمي فالخطوة مهمة أولاً في إطار إعادة احياء الروح الوطنية والانتماء والانضباطية وتعزيز قدرة الشباب على تحمل المسؤولية، وهو ما تعمل عليه الخدمة العسكرية وتعززه. كلنا يلمس حجم التغير في سلوك الشباب منذ عام 1992 وهو العام الذي تم فيه تعليق قانون خدمة العلم نتيجة ضغوط نيابية على حكومة الأمير المرحوم زيد بن شاكر.
بعيداً عن دواعي ومبررات الحكومة تبدو العودة للخدمة العسكرية أمراً ملحاً بما في ذلك العودة لقانون خدمة العلم وعدم ربطه بقضية البطالة وإن كان من الضروري الاستفادة منه لتلك القضية. ولكن في المحصلة لا بد من تحصين وتعزيز فكرة الانتماء والشعور الوطني ولن يكون هناك أقدر وأنسب من بيئة الجيش العربي الأردني عنواناً لها.
الغد