بقلم: عامر جلول - بيروت
خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عدة أيام متفاخراً أن روسيا الاتحادية التي تسعى جاهدة في كل الميادين العسكرية والسياسية وغيرها أن تحول النظام العالمي الأحادي إلى ثنائي روسي أمريكي قد أنتجت أول لقاح ضد وباء العصر وباء الكورونا حيث قال إن هذا اللقاح تم تجربته على ابنته..
ومنذ تفشي هذا الوباء والعالم الغربي الرأسمالي والشرق الصيني الشيوعي يتسارع في رُكب الحضارة المادية لأجل إكتشاف لقاح الكورونا, فإن هذا الإكتشاف سوف يكون له اثرٌ كبير في الإقتصاد يكون الأرباح الضخمة وسوف يُستثمر في السياسة.
مع إنتشار الكورونا, بدأ الجدال في الأوساط العلمية والشعبية وغيرها حيث رددوا أين دور المشايخ في هذه المعركة؟ أين الإسلام من هذه المعركة؟ وانتشرت مقولات تقول أن العلم تغلب على الدين, فهل إستطاع الغرب أن يسدد الضربة القاضية لمشايخ الإسلام بسبب الكورونا بعد تعذر الأنظمة الإسلامية في العصر الحديث أن تواكب التطور الحضاري؟
عندما أسلم الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي بعد رحلة فكرية طويلة وتنقله بين المسيحية والشيوعية وغيرها ,فلقد قال جملة مؤثرة ومُعبرة حيث قال "الحمد للّه أنني تعرفت على الإسلام قبل أن أتعرف على المسلمين".
إن كثيرا من الدول التي تعتبر دولاً إسلامية تعتمد الإسلام كنظام تشريعي على المستوى القضائي والحد والتحريم في القضايا الفقهية,ولكن إسلامهم لا يشبه الإسلام بشيء, إن الإسلام الحقيقي جاء بمسار حركي متجدد ومتطور ذاتياً يأخذ شكلاً حسب الزمان والمكان والظروف الإجتماعية مع الحفاظ على ثوابته الإيمانية والعقائدية, وعندما طُبق الإسلام الصحيح حيث امتزجت المادة والروح فلقد اتسعت البلاد جغرافياً إلى الصين شرقاً و فرنسا غرباً حيث سادت العدالة الإجتماعية ورُفعت المظلومية وتطورت العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية وخرج من هذه الحضارة المئات بل الآلاف من علماء الإجتماع و علماء الرياضيات الفلاسفة أمثال الفارابي وابن سينا والخوارزمي وغيرهم.
فلقد كتب المفكر والفيلسوف الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش كتاباً بعنوان "الإسلام بين الشرق والغرب" في هذا الكتاب تكلم فيه عن ضرورة امتزاج المادة والروح اللذين يعتبران جوهر الإسلام من أجل بناء دولة العلم والإنسان وتأصيل الوعي, اليوم وفي هذا المشهد التصارعي بين الشرق والغرب في السياسة والإقتصاد, فإن الدول الإسلامية غائبة كلياً رُغم ضعف وهشاشة النظام الصحي وإنتشار الكورونا في أوروبا وأمريكا بشكل رهيب وإزدياد أعداد الوفيات والمصابين بشكلٍ كبير ورغم أيضاً هشاشة الأنظمة الصحية والإجتماعية وعدم قدرتها على المواجهة وإنتكاسة الفلسفة الغربية النيوليبرالية ولكن لا زالت هذه الحضارة رغم تخبطها الحاصل متفوقة في السباق الحضاري المادي على الدول الإسلامية بعشرات السنين..
هل الإسلام هو السبب؟ طبعاً لا، الإسلام لا يتعارض مع العلم كما كانت الكنيسة الكاثوليكية في العصور الأوروبية المظلمة وأكبر الامثلة كوبرنيكوس وجاليليو اللذين قتلا بسبب مقولتهما أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس وهذا الوصف يتعارض مع الإنجيل والكنيسة, الإسلام جاء بالعلم والمنطق ولقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى اللّه من المؤمن الضعيف" والقوة هنا بالشرح الصحيح هي العلم والقوة البدنية والثقافة والمنطق, القوة هي أحد أهم العناصر في الإسلام ولها أوجه متعددة, ولكن قبل الدخول في المعركة المادية مع الغرب لا بد لهذه الدول الدخول في معركة لبناء الإنسان, فبناء الإنسان قبل بناء الأوطان, كيف لنا أن نكتشف لقاح الكورونا ونحن لا نُعطي قيمة للإنسان في مجتمعنا؟ كيف لنا أن ندخل في هذا التحدي وكل من العراق وسوريا واليمن غارقين في بحر من الدماء بسبب التخلف الطائفي الذي لا علاقة له بالدين والإسلام؟ الإسلام كرم الإنسان ولقد ذُكر هذا في الكثير من الآيات, الإسلام ليس نظام كهنوتي قائم على الصلاة والصوم فهذه ليست إلا أمور بسيطة وهي متعلقة بين الفرد وخالقه, ولكن ما هو أهم من ذلك هو أن تكون علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقته بالإنسانية, وطبعاً أستغل العلمانيون هذا التراجع وبدأوا يطالبون بعلمنة الدولة والأنظمة السياسية وذلك لأنه في وجهة نظرهم أن الإسلام هو السبب الرئيسي في التراجع الحضاري وانعدام الفكري والسقوط السياسي الذي تمر فيه بلادنا وهو نظام رجعي مناهض للتقدمية العلمية, ويضربون أوروبا كمثال بعد خلعها عباءتها الدينية والطائفية حيث أنتجت ثورة علمية وصناعية لا مثيل لها وساهمت في التطوري العالمي للحضارة المادية, لا أحد يستطيع إنكار ما فعلته أوروبا, ولكن هذا لا يعني أن الإسلام هو نظام رجعي إطلاقاً, إن الإسلام ليس شعارات فكل دول الإسلامية اليوم ترفع شعار الإسلام ولا تطبق منه شيئاً كما فعل جان جاك روسو حيث كتب عن التربية وقد أودع أولاده الخمسة غير الشرعيين في الميتم.
طبعاً إن الإسلام لا يعطي وصفة سحرية لمحاربة هذا الوباء والبلاء وأي صراع سياسي أو حضاري ولكن مما لا شك فيه أنه يطالب بالعلم والتقدم والتفكر لإنتاج أجيال تقوم ببناء مجتمع إنساني يقوم على الإجتهاد الفكري حيث يتحول المجتمع إلى مجتمع يسوده العدل والعدالة الإجتماعية وبناء الإنسان الاسلامي النموذجي و هذه المعايير غير موجودة حالياً في كل البلاد الإسلامية, عندما نصل إلى تلك المعايير يبدأ المسلمون حينها بإنتاج لقاح الكورونا وغيره.