مدار الساعة - بقلم : عبدالحميد الهمشري – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
في ذكرى الإسراء والمعراج التي كرم فيها سبحانه وتعالى سيد الخلق والبشرية جمعاء الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين دروس وعبر ، ستبقى خالدة ما دامت البشرية تعمر هذه الأرض ، ففي ظلمة الليل الدامس أشرقت أنوار الهدى ، وفي ظل اشتداد تضييق الخناق على رسولنا الكريم وصحبه الغر الميامين أكرم الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بأن أسرى به ليلاً من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك الله من حوله ومن هناك عرج به الى السموات العلى فانبلج بذلك فجر جديد لأمة أنار دربها ومكنها من السير نحو العلى وعبد طريق عزتها وسط الزحام ، زحام صراع الحق والباطل الذي سيبقى محتدماً إواره حتى قيام الساعة ، وستبقى لكل منهما جولاته حتى يرث الله الأرض وما عليها .
وقد كان لتفرق الأمة وانشغالها بأمور دنيوية أن فقدت بوصلتها فتاهت وسط الدروب مما مكن أعداءها من النيل منها جراء تكالب قوى الشر وتوحدها في نهجها مع بعضها في غفلة منها ونتيجة تفرق أهل الحق وانشغالهم بأمور لا تخدم أمنهم واستقرارهم وتركهم التوكل وجادة الصواب والاعتماد على التواكل والبحث عن ترهات للخروج من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه فلم يستفيدوا من مدرسة الأمل والعزة التي وضع أسسها رسولنا الكريم عليه أفضل السلام والتسليم حيث أنه لم يستكن أبداً أمام ما يتعرض له هو وصحبه من مقاومة شرسة من بني قومه الذين أذاقوهم صنوف العذاب بل بقي وبقوا على العهد فنصره ونصرهم الله وقد جاء النصر الأول بحادثة الإسراء والمعراج التي فيها من الدروس والعبر الكثير أدت في نهاية المطاف لنصر الله للمصطفى ولخير أمة أخرجت للناس على أهل السطوة والظلم والجبروت وقدمها دليلاً على أن الله ناصرمن ينصره رغم أنف الكافرين والضالين.
فالدرس الأول الذي جاء من خلال هذه الذكرى العطرة أن الصبر مفتاح الفرج وأن الظلم مرتعه وخيم ومآله إلى زوال وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه وأن الله ناصره شاء من شاء وأبى من أبى. والدرس الثاني وهو مهم جداً فهو يُظهر مكانة هذا المسجد في الإسلام حيث بينت هذه الحادثة قدسيته الكبيرة لدى أهل الإيمان حيث ارتبطت هذه القدسية بعقيدة كل مسلم على وجه الأرض منذ بداية الدعوة فكان القبلة الأولى التي اتجه إليها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته نحوه سبعة عشر شهراً قبل أن يتم تغيير القبلة إلى المسجد الحرام وبذلك تكون هذه الليلة قد وثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال، وفق ما ذكر النبي صلى الله عليه.
وأمام هذه المكانة للمسجد الأقصى في الأرض وفي السماء يتبين مدى الحقد الدفين لمغول العصر الذين يستهدفون هذا المكان المقدس من صهاينة ومؤازريهم الغربيين لينالوا منه حيث يقدم مغتصبو الأرض الفلسطينية الصهاينة على محاولات النيل منه أمام مرأى العالم أجمع دون أن يكون هناك تحريك لساكن سوى ما يفعله أهل الرباط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
من هنا يتبين أن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد رحلة تسرية وتسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم فقط , بل كانت رحلة تربية وتهذيب لنا رحلة إيمانية من أول مسجد " المسجد الحرام " وضع للناس لعبادة الرحمن إلى ثاني مسجد وضع لذات الغاية.
فالمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، وهو مهوى الأفئدة، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة، وهو أحد المساجد التي تشد إليها الرحال .
والواجب في هذا العصر الدفاع عنه لحمايته ودفع ما يحيط به من أخطار، فما يتعرض له من انتهاكات حاقدة من الصهاينة المتحالفين مع الغرب المتطرف منذ صدور وعد بلفور وتبني الولايات المتحدة الأمريكية لنهج الحركة الصهيونية بدعم الصهاينة لإقامة دولتهم على الأرض المقدسة إحياء لنبوءات توراتية محرفة، وتآزر باقي الدول الغربية مع هذا النهج خاصة بريطانيا وفرنسا في سبيل تحقيق هذا الهدف الخبيث ، حيث دعمت هذه الدول الكيان العبري ومكنته من فرض سيطرته على أرض فلسطين وعاصمتها القدس التي تحتضن المسجد الأقصى في حرب حزيران من العام 1967 م التي هزمت فيها جيوش عربية فدخل المسجد الأقصى تحت سطوتهم وسيطرتهم ، وقد فرح اليهود حينها وتغنوا بهذا النصر فتصدى أهل فلسطين العزل للمحتلين بصدورهم العارية بكل قوة وظل المقدسيون وباقي الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية وكل فلسطين يحافظون على هذا المسجد رغم خضوعه لحكم الصهاينة وسلطانهم، يفدونه بأرواحهم، ويتناوبون على حراسته وحمايته، ويرممون ما تلف من أجزائه، ولا تزال أعين الصهاينة تتجه نحو النيل من المسجد المبارك، وبناء هيكلهم المزعوم مكانه، ويحاولون إماتة شعور أمة الإسلام تجاهه ، ويتحدون الأمة بما يقومون به من أعمال حفر وهدم لحرمه وشوارعه وجسوره، وتسليط متعصبيهم على الاعتداء بالحرق والهدم والتفجير لبعض أجزائه ولا يفوتني هنا الكشف عن الدور الذي تلعبه توأم روح فلسطين الأردن بقيادته الهاشمية لدعم المدافعين عن هذا المسجد ورفض كل ما يقوم به العدو الصهيوني من محاولات لتغيير معالم هذه المدينة المقدسة والأهم فيها المسجد الأقصى المبارك على المستويات كافة محلياً وإقليمياً وإسلامياً ودولياً ليقينه بالخطر الذي يتهدده والذي بان للعيان عقب احتلاله مباشرة وما أقدم عليه بعد احتلاله بسنتين السائح اليهودي مايكل دينيس من إحراق لمنبر صلاح الدين وأجزاء كبيرة من المسجد، وتباطؤالمحتلين في إخماد تلك النيران بل وأعاقتهم لجهود المقادسة الذين هبوا لإخمادها مما ألحق ضرراً كبيراً به إلى جانب مخططات نسفه التي هي أكثر من أن تحصر، والمنظمات الصهيونية التي أنشئت لهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه والتي تزيد عن العشرين منظمة، والمحاولات الفردية والجماعية العدوانية عليه التي تحاول احتلاله أو حرقه أو تفجيره أو إرهاب المصلين فيه وهذه تعد بالمئات إن لم تكن بالآلاف ، وما عمليات الهدم في حرم المسجد وشوارعه إلا واحدة من تلك المحاولات الكثيرة، التي لم يملَّ اليهود من تكرارها.
ولتأكيد إصرارهم على النيل من هذا المسجد ضمت الدولة العبرية في 28/ 6/ 1967م مدينة "القدس الشرقية" التي تحتضته إلى "القدس الغربية"، واعتبرتهما مدينة موحدة وفي 5/8/1980م أعلنت أيضاً "أن القدس الموحدة هي عاصمتها الأبدية". وأخذت بالعمل على تهويد "القدس الشرقية" ببطء وهدوء وبخطوات هستيرية تدلل على المخاطر االتي تتهدد المسجد من خلال الحفريات المستمرة وشق الأنفاق تحت ساحاته وزرع المدينة المقدسة والقرى والمدن المحيطة بها بالمغتصبات، وهدم الكثير من البيوت العربية بحجة عدم الترخيص.وتنفيذ المجازر الجماعية في المدينة المقدسة ومحاولة العمل وبشكل مستمر على طرد السكان الأصلييـــن مـــ ـن القـــ ـــ ـدس حتى تبقى الأغلبية من السكان لهم. وإحاطة المدينة المقدسة بشكل خاص والأراضي الفلسطينية بشكل عام بجدار الفصل العنصري ومنع العرب من الوصول إلى القدس وحرمانهم من الصلاة في المسجد الأقصى المبارك.والعمل على إغلاق الكثير من المؤسسات العربية والإسلامية في المدينة المقدسة.وعلى تنفيذ مخطط "القدس الكبرى" من خلال توسيع مساحتها على حساب الأرض العربية.وتنفيذ عمليات قتل واغتيال واعتقال الكثير من شباب بيت المقدس والمدن والقرى الفلسطينية. ناهيك عما أعدته جمعية يهودية تدعى جمعية أمناء الهيكل من مخطط لبناء الهيكل الثالث المزعوم" مكانه ، وما دعت إليه في سنة 1987م جمعية ( بناة الهيكل) المقربة من حزب الليكود من الترتيب لحين توفر الظروف التي تمكنهم من تنفيذ ما يصبون إليه وهو تنفيذ مخطط أعدوه لبناء الهيكل مختلف عن المخطط الذي أعدته المنظمة المدعوة (بمنظمة أمناء جبل الهيكل) والتي تؤمـن بإزالـة المسجـد الأقصى وبناء الهيكل الثالث فوقه وهذا المخطط الذي تعرضه جمعية بناة الهيكل يتلخص ببناء منصة/سقف واسع يبنى على أرض ساحة البراق (فوق حارة المغاربة التي هدمتها بعد الاحتلال الصهيوني عام 1967م يرتكز على عشرة أعمدة مرتفعة رمزاً للوصايا العشر، و فوق هذه المنصة العالية يبنى الهيكل الثالث المزعوم ولكي يأخذ الهيكل المذكور قدسية، فإن معدي هذا المخطط يتوجهون لحفر نفق يمتد من وسط المنصة المذكورة إلى داخل الحرم القدسي قريباً من قبة الصخرة، وبواسطة هذا النفق تأتي القدسية من داخل الحرم إلى الهيكل المذكور – على حد زعمهم. وأمام هذا المخطط الرهيب والذي تنبئ الأحداث أنه يجري على قدم وساق وبدعم أمريكي وغربي مطلق لاغتيال هذا المسجد أمام ناظري كل أمة الإسلام فكيف تبرأ ذمتنا أمام الله تعالى والأقصى المبارك يمرّ بأخطر اللحظات خلال هذه الحقبة الأخيرة من تاريخه، فالخطر الصهيوني قد بلغ أوجه واشتد خطره وعاث في القدس وفي الأراضي المحتلة فساداً وضيق الخناق على المدافعين عنه من المقادسة وأهل فلسطين بالقتل والتشريد وهدم المباني العربية وإقامة المشاريع التدميرية من حوله دون أن يجد من يصده أو يردعه. وفي هذه الذكرى أود التنويه إلى أن في الاسراء والمعراج دعوة صريحة وواضحة لا لبس فيها للتواصل المستمر ما بين بيت الله الحرام في مكة ومسجد رسول الله في المدينة المنورة وثلاثتهما مشعل النور المتوهج نبع الهدى لكل أمة التوحيد والخطر الذي يتهدد أرض الإسراء يتهدد كذلك منبع الرسالة الإسلامية وأمام ذلك نحن مطالبون ببذل الغالي والنفيس في سبيل الذود عن الأقصى وبيت المقدس وتحريرهما من الأسر الذي أصاب الأمة بالوهن وبكرامتها فماذا نحن فاعلون !!!.