ولأن للتكنولوجيا الرائعة فوائد جمة، غير التطبيقات التي يستخدمها الشعب العربي في الثرثرة وتضييع أوقات الفراغ الكثيرة، قامت شركة المانية يقودها شاب من أصل عربي باختراع تطبيق يدعى «مسلم ثري دي» يقدم خدمة القيام بفريضة حج افتراضية عبر عملية متقدمة تحاكي مناسك الحج، يقوم بها المستخدم وهو جالس في بيته، دون الحصول على تأشيرة حج أو حجز رحلات ودفع تكاليف مالية، هكذا ببساطة تستطيع الذهاب الى الديار المقدسة، المدينة المنورة ومكة المكرمة والطواف بالبيت الحرام والوقوف بعرفة، ما يجعلنا نقف أمام المرآة لنسأل أنفسنا: «أحرام علينا أن يخرج شبابنا من هذا القمقم المظلم المتخلف الذي يعيشه الشباب قبل العجائز»؟.
التجربة التي يمكن للمستخدم القيام بها عبر «مسلم ثري دي» عمرها عام فقط، وهو اليوم لدواعي تقليص حجم الحجاج الى عشرة آلاف حاج بعدما كانوا أكثر من مليوني حاج سنويا، قد أتاح للكثير من المستخدمين والمسلمين تجربة عيش لحظات الحج، ولكنه حتما ليس كمن يقوم بالحج بشكل حقيقي وعملي، ويبدو مشابها لتطبيقات زيارة المتاحف التاريخية في العديد من الدول بعد إغلاق المتاحف بسبب وباء كوفيد19، ومع هذا فليس هناك شيء أفضل من الحقيقة، لتشعر بأنك تعيش في عالمك الخاص بكل حواسك وحريتك المطلقة، وهذا ما لا ينطبق علينا في الواقع اليومي بلا أي إحساس بأنك موجود.
عندما يكون قدرك العيش في دولة عربية مهما كانت معايير العيش والحرية والرفاه أو الفقر فيها، فانت ستكون حتما «إنسان ثري دي» فأنت مواطن عن بعد، تمضي رحلة العمر وأنت تتعرف على الحكومات والمؤسسات والتاريخ والمسؤولين وكثير من الناس الذين تشاركهم الحياة في الوطن، ثم في النهاية تستيقظ من أحلام اليقظة لتكشتف أن ما كنت تعيشه ليس سوى تجربة عيش كاذب، وهذا مرجعه الى اضطراب السلوك العام الرسمي والشعبي، وفي النهاية تكتشف أنك المعني بقولهم «يحج والناس راجعة من مكة».
بفضل من الله وأشقائنا في السعودية، وعبر سنوات خلت كانت هذه المواسم الفضيلة فرحة لي بشكل شخصي، حيث وفرت العديد من تأشيرات الحج لأشخاص كثر ومنهم من غير المقتدرين، رغم أنني لم أستخدم أي من تلك التأشيرات لصالحي للقيام بالحج، فقد أديت الفريضة لمرة واحدة برفقة والدي غفر الله له عبر حصة وزارة الأوقاف، ثم أكتشف متأخرا أن هناك الكثير من سماسرة التأشيرات يبيعونها بالآلاف بشكل شخصي أو عبر مكاتب خاصة للأسف، ثم الكشف الآخر هو الفارق الكبيرفي التكاليف المالية بين حجاج الفرادى وحجاج المسار الرسمي، بفارق كبير جدا يتكبده حجاج المسار الرسمي عندنا، مع تواضع الخدمات.
من هنا ومن آخر ما ذكرت، بت أجزم أننا نعيش حقيقة في عالم إفتراضي، لا مكان فيه للصدق والصراحة والأمانة في خدمة المواطن، وفي جردة حساب تجد أن من هم مثلنا لم يستفيدوا بحياتهم من المالية العامة للحكومات، لا تعليميا ولا صحيا ولا خدماتيا، ثم يطالبونك بدعمهم، يسرقون أفكارك ويبددون جهدك ويسطون على حقك لصالح من لا يملكون الحق، وفي النهاية يقدمون لك تطبيق المواطنة لتعيش حياتك تدفع من أجل أن تحيا مواطنا في واقع مزيف، فلا أحد منهم يهتم لأطفالك إن جاعوا أو مرضوا أو فقدوا حقهم في تعليم جيد وأماكن ترفيه، فأنت مجرد مُتستخدِم للتطبيق غير العملي.
كل عام وأنتم جميعا بكل خير وبوطنٍ غير إفتراضي. الرأي
Royal430@hotmail.com