نظمت مجموعة من النساء والرجال وقفة احتجاجية بعد مقتل أحلام؛ رفضا لاستمرار العنف الموجه ضد النساء.
الوقفة حظيت باهتمام ومتابعة منصات التواصل الاجتماعي مثلما الجريمة الأخيرة بأكثر التغريدات والبوستات على تويتر وفيسبوك .
واللافت للانتباه أن بعض التعليقات حاولت النيل والإساءة للوقفة الاحتجاجية باقتناص شعار مرفوع في هذا التجمع السلمي، أو التركيز على شكل ولباس بعض المشاركات بالتظاهرة أمام مجلس النواب.
تناسى البعض بشكل متعمد أن هذه التظاهرة هدفها الأول والأخير التنديد بجرائم العنف ضد النساء، وسعوا لحرف الأنظار عن هذا الهدف بتضخيم شعار عن رفض “السلطة الأبوية”، وذهبوا من هذا الباب للإساءة والتشهير، وكِيلت الأوصاف والنعوت السيئة للمشاركات بالوقفة.
العبرة في الشعارات المقاصد حتى لو كنت مختلفا معها، وليس مُنصفا أو عادلا اجتزاء المعنى من دلالاته وسياقه المعروف، فالنساء المُحتجات وحتى الرجال لا يُناصبون العداء للأب، ولا للأسرة، وهذا حتما معروف ولا يحتاج لتفسير وتبرير؛ فكلهن وكلهم أبناء عائلات وينتمون لأسر يحبونهم، ولكنهم يُعارضون “السلطة الذكورية” التي تُطوع المنظومة الاجتماعية والقانونية والسياسية والاقتصادية لخدمتهم.
استخدمت الوقفة للنيل من الحركات والمنظمات النسائية في الأردن ومهاجمتها، وأعيدت نفس الأسطوانة المشروخة للإساءة وتنميط الصورة بربط النساء بأجندات ما يُسمى “التمويل الأجنبي”، وتناسوا أن هذه الوقفات عفوية وليست منظمة، ولا تقودها منظمات نسائية بعينها، ومفتوحة لمشاركة الجميع، والمشاركون والمشاركات ليسوا أعضاء في حزب سياسي حتى يكون لهم شعارات موحدة، فالجميع يستطيع أن يُعرب عن رأيه حتى وإن لم يجد قبولا؛ فالناس ليسوا نُسخا كربونية عن بعضهم البعض، والشعار الذي نجده جارحا ومرفوضا، قد يكون له قبول عند طيف آخر، ولكن الأهم قبول التعدد والاختلاف في المجتمع، وألا نرفع أعواد المشانق للآخرين، ونشيطنهم لأنهم ليسوا شبهنا ويختلفون عنا.
عودة إلى أصل القضية وهي استمرار العنف الأسري، والعنف ضد النساء والفتيات، وبعيدا عن الجريمة التي حدثت وأدانها الأغلبية، فإن الأردن أنجز تعديلات قانونية وخاصة على قانون العقوبات باعتقادي ساهمت نسبيا بتراجع ما يُسمى بـ”جرائم الشرف”، وهذا الإقرار بالجهود الرسمية لا يعني أن المشكلة قد حُلت، فالبنية التشريعية ما تزال تحتاج إلى تعديلات جذرية أخرى تمنع تملص القتلة وإفلاتهم من العقاب باستخدام بعض المواد القانونية مثل العذر المخفف، أو اللجوء لإسقاط الحق الشخصي من عائلات مُرتكبي الجرائم.
معهد تضامن النساء توسع في رؤيته للأزمة؛ فدعا إلى تأسيس مرصد وطني لحالات قتل النساء والفتيات، ووضع استراتيجيات فعّالة تجعل من التدابير تمضي في الاتجاه الصحيح، والتوسع في إنشاء دور الإيواء للنساء المُعرضات للخطر، وعدم قبول تعهد الأسر في حال وجود خطورة ولو مُتدنية على حياة النساء.
الجريمة الأخيرة ببشاعتها أحدثت صدمة، وتفاعل رئيس الحكومة مباشرة مع القضية، وتعهد بأن كل من يخرج عن القانون ستطاله يد العدالة، مؤكدا مراجعة كافة الإجراءات والأدوار بالتعاون مع المجلس الوطني لشؤون الأسرة، ولهذا فإن مدير الأمن العام أمر على الفور بإعادة هيكلة إدارة حماية الأسرة، وتوسيع اختصاصاتها لتشمل كافة الجوانب الأسرية المتعلقة بحماية المرأة والطفل، مطالبا بحماية النفس البشرية ومنع التعدي عليها وتعريضها للقتل أو الإيذاء تحت أي ذريعة كانت.
مهما كانت الجريمة الأخيرة بشعة فقد سبقها مئات الجرائم ضد النساء التي لا تقل خطورة وبشاعة، ورغم ذلك فإن الجرائم تتكرر وستتكرر ما دامت تجد من يُدين الضحية، ويُبرئ المجرم، ويختلق الأعذار له، وما دامت هناك حواضن اجتماعية لا ترى في المرأة إنسانا حرا، وندا للرجل لا تابعا له، وما دامت إرادة الدولة ما تزال تراعي بعض الحساسيات المجتمعية، ولا تضع مسطرة واحدة للعدالة بين الرجال والنساء.
الغد