تقترب امتحانات الثانوية العامة من أن تضع أوزارها بعد عام دراسي لم يكن سهلا أبدا على الطلبة جراء عوامل عديدة ساهمت في عدم قدرتهم على الحصول على بيئة تعليمية مثالية تتناسب مع حجم هذه الامتحانات. ربما كان في ذلك مصلحة لهم، فبحسب المؤشرات الأولية فإن الامتحانات كانت سهلة، ما يعني أننا أمام نسبة كبيرة من الناجحين الراغبين في الالتحاق بالجامعات.
يبقى الحلم الأكبر لكل أسرة أن تجد لابنها مقعدا جامعيا، وفي أغلب الحالات لا يتم اتخاذ قرار صائب في اختيار تخصص الدراسة بما يتناسب مع سوق العمل، فكل ما يهم الأردنيين هو الحصول على شهادة البكالوريوس قبل بدء رحلة العذاب بالبحث عن وظيفة شاغرة، وفي هذا الأمر صعوبة بالغة مع إغلاق العمل في القطاع العام، وضعفه في الخاص. لذلك فسيكون بانتظارنا مزيد من الارتفاع في نسب البطالة.
في العام 2016 خرج للنور برنامج دبلوم فني لطلبة التوجيهي يستهدف من لم يحالفهم الحظ بالنجاح، ومدته الدراسية عامان، وهدفه تشجيع هذه الفئة العمرية على التوجه للعمل المهني، بالإضافة لمساعدة الطالب في الحصول على فرص عمل فور الانتهاء من البرنامج، ومن أجل تشجيع الطلبة للالتحاق به فقد تم تحميلهم 25 % فقط من تكلفة الدراسة.
في المقابل فشلت كل محاولات الدولة في إقناع الأردنيين بدفع أبنائهم للالتحاق بمراكز التدريب المهني والتقني، ولهذا الفشل أسباب عديدة تبدأ من المنزل وتمر في المدرسة، من ثم تتحمل الحكومات جزءا كبيرا منه، فهي لم تعمل بشكل كاف على تحقيق هذه المعادلة.
ربما يكون الأردن هو الدولة الوحيدة في العالم التي تشهد بطالة عالية (50 % من المتعطلين هم دون الثانوية العامة)، ويوجد فيها بذات الوقت عمالة وافدة، ومرد ذلك غياب الأيدي الماهرة الأردنية، وعدم إقبال المواطنين على هذا النوع من الأعمال لأنهم يعتبرونها ذات قيمة متدنية رغم المردود المالي الكبير لها كونها مدرة للدخل.
متى يكون للتدريب المهني والفني قيمة عالية؟ في البداية لم تجتهد الأسر الأردنية في تهيئة أبنائها للأعمال المهارية في المنزل، فلم يعتد هؤلاء على التعامل مع الأدوات، والفكرة ليست ذات أولوية لديهم لأنهم يريدون أطفالا يتربون على حلم دراسة الطب والهندسة.
وبالنسبة للدولة، فهي لم توفر مشاغل وحصصا خاصة للطلبة من الفئات العمرية الصغيرة، وبالتالي يخرج جيل غير قادر إطلاقا على إصلاح أبسط الأمور في المنزل، وبالتالي فهو غير مهيأ للعمل في مهن باتت حكرا على العمالة الوافدة.
ورغم إطلاق برامج ومشاريع لتوعية الطلبة بضرورة الالتحاق بمراكز التأهيل والتدريب وبالتخصصات الجامعية في هذا المضمار، إلا أن ذلك لا يكفي، حيث كان لزاما رفع معدل القبول في الجامعات لمثل هذه التخصصات بدلا من 65 % إلى 85 % على سبيل المثال، ليكون له قيمة دراسية.
كما يتوجب على الدولة أن توفر مزايا للراغبين بالدراسة الفنية والمهنية، وعلى رأسها تخفيض كلفتها المالية العالية، فارتفاع قيمة رسوم الساعات الدراسية في مثل هذه التخصصات منفر، وغير مشجع للطلبة للالتحاق بها.
لا أعلم إلى متى ستبقى الخطط والاستراتيجيات والتوجهات السليمة حبيسة ضعف قدرتنا على معالجة التحديات التي تواجهها، لنستسلم أمامها رغم إدراكنا بحاجتنا الماسة إلى تطبيقها في أسرع وقت ممكن، خصوصا إذا ما كانت تتعلق بخفض نسب البطالة التي يئن المجتمع كله تحت وطأتها، كما تؤثر على الوضع الاقتصادي للدولة، خصوصا حين نعلم أن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل هم من فئة الشباب، ما يضعنا أمام حقيقة أن الرافعة الإنتاجية الأهم في البلد هي شبه معطلة اليوم.
الغد