لفت صديق يقظ نظري إلى خطأ دارج وقعت فيه بمقالي ليوم أمس وكان بعنوان “الثروات تحت مجهر مكافحة الفساد” وتمثل باستخدام اصطلاح “المال الأسود” في وصف ظاهرة شراء الأصوات في الانتخابات. التعبير هذا ينطوي على تمييز عنصري ضد أصحاب البشرة السوداء، وهو كما قال الصديق من اختراع الرجل الأبيض في الغرب وتم تعميمه عالميا.
أولا أسجل اعتذاري هنا عن خطأ غير مقصود من طرفي، فأنا مثل كثيرين غيري تنطلي علينا التعابير الدارجة ونستخدمها دون تدقيق أحيانا. وربما يكون ذلك هو الجانب الأخطر في عولمة المصطلحات بحيث تصبح جزءا من ثقافتنا دون أن نلتفت لدلالاتها الخطيرة، فنتمثلها سلوكا عن غير وعي أو تمييز.
لا أعلم على وجه التحديد تاريخ هذه الظاهرة، لكننا في الإعلام والأدب والسياسة نستخدم كلمة “الأسود” لوصف الشر والحزن والأيام التعيسة في حياتنا. في تراثنا ارتبط السواد بالليل ومنه تم اشتقاق المصطلح وتعميمه كتعبير مجازي، لكن في عالمنا المعاصر ثمة حساسية كبيرة للمفهوم، خاصة في أيامنا هذه حيث ينتفض العالم كله تضامنا مع السود في أميركا.
هناك وفي الولايات المتحدة الأميركية تحديدا، صار السواد تعبيرا عن ظلم تاريخي لملايين البشر من أصحاب البشرة السوداء، وفي الحياة اليومية قد يتعرض الشخص لمواقف محرجة إذا ما استخدم هذا التعبير دون إدراك.
في عالمنا العربي لا أعرف السبب الذي يدفع بنا إلى ربط اللون الأسود بالشر والحزن والهزائم، وعلينا أن نبحث في التاريخ عن السبب وراء ارتداء النساء للباس الأسود عندما يفقدن عزيزا عليهن.
لكن مصائبنا منذ زمن الاستعمار الغربي كانت على يد الرجل الأبيض لا الأسود، فمن غزا أراضينا هم البيض الغربيون، ومن اغتصب فلسطين بيض من شتات الأرض. ولا ننسى غزو العراق على يد الاميركي الأبيض، حتى إرهابنا العربي كان من صنع بيض عرب التحق بهم أمثالهم من المهووسين الغربيين.
البحث هنا يطول في التاريخ، لكن الموضوع يستحق من أصحاب الاختصاص النبش عن أصل المفهوم في ثقافتنا، إذ لا يكفي اعتبار ظاهرة العبيد التي اندثرت منذ قرون أساسا للمفهوم الذي ما يزال دارجا في حياتنا.
نستطيع في الإعلام أن نساهم في محاربة الاصطلاحات التي تحمل تمييزا من مختلف الأشكال، سواء ما يخص الجنس أو الدين ولون البشرة أيضا. نحن الآن على أبواب انتخابات نيابية، وسيكثر الحديث عن المال والرشى وظاهرة شراء الأصوات، وقد اعتدنا جميعا؛ إعلاميين ومسؤولين على استخدام وصف المال الأسود.
ينبغي علينا أن نمتنع عن ذلك ونتخذ قرارا في مؤسساتنا الإعلامية باستبدال هذا الوصف بتعبير آخر، والأنسب هنا “شراء الأصوات” بوصفه فعلا مجرما بالقانون. وبالأمس القريب استخدم وزير الإعلام التعبير مثلنا تماما عندما عرض في مؤتمر صحفي التعديلات المقترحة على قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، ولا أظن أن صاحب اصطلاح “الإنسانية جمعاء” يقصد ذلك بالطبع لكنه الدارج في لغتنا.
المهم أن لا يثبت التعبير في نص التشريع، وتبادر الهيئة المستقلة للانتخاب إلى التعميم على وسائل الإعلام والجهات الرسمية بعدم استخدام الوصف، وشطبه من الأدبيات الانتخابية إن وجد.
الغد