انا ابن الإعلام الأردني بنوعية المقروء، صحافة اسبوعية ويومية، ورئيسا لتحرير مجلة التنمية التي كانت تصدرها وزارة الإعلام، والمرئي، فقد عملت في التلفزيون الأردني بدائرتي الأخبار والبرامج، وفي دائرة الإعلام التنموي يوم كانت مستقلة مرتبطة بوزير الإعلام مباشرة، ثم مديرا عاما لدائرة المطبوعات النشر في عصرها الماسي، وعملت في التحرير والإدارة, لذلك تفرحني اية خطوة لتصحيح مسار الإعلام, كعودة الصحف الورقية اليوم إلى الصدور, فبهذة العودة يستعيد الأردنيون جزء أساسياً من مكونات ذاكرتهم الوطنية, فالصحافة الورقية ليست هي الأخبار العابرة, والمجهولة المصدر في كثير من الاحيان, كما هو حال أخبار مواقع التواصل الاجتماعي, لكنها عملية تراكمية, تشكل جزءاً من الذاكرة والتاريخ الوطنيين, كما انها مصدراً مهماً من مصادركتابة التاريخ الوطني .
والصحافة الورقية هي أول ادوات الإعلام بمفهمه العلمي، وعموده الأساسي، وقد صارت جزءاً من الأمن الوطني, ومكوناً أساسياً من مكونات القوة الناعمة للدولة,وصار اي عبث بها هو عبث بمكونات الأمن الوطني, مثلما هو عبث بمصدر مهم من مصادر التاريخ الوطني, وهو في نفس الوقت تجريد للدولة من أحد أهم أسلحتها وأدواتها في بناء الرأي العام الراشد, وتوجيهه وحشده حولها, وحول مواقفها وسياستها, وهو دور يتعاظم في ظل الفوضى التي تحدثها مواقع التواصل الاجتماعي, والتيه التي تصنعه هذه المواقع, التي صارت منصات للتناحر, ونشر الإشاعة, والنخر في البنيان السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن, وأغتياله بالأكاذيب التي تنهال علينا كل يوم كالسيل الجارف, الذي لابد من إيقافه بسد منيع, تشكل الصحافة الورقية جدراً قوياً من جدرانه, لأنها تبني علاقة منظمة مع الجمهور, من خلال علاقة الجمهور بصحيفته المفضلة, التي هي جزء من عالمه الحقيقي, وليست وهماً يخلقه العالم الافتراضي.
ومثلما لم يستطع الراديو عند اختراعه أنهاء وجود الصحافة الورقية, وكذلك لم يستطيع التلفزيون, فإن موجة وسائل التواصل الاجتماعي ستنحسر هي الأخرى, وستظل الصحافة الورقية حاجة أساسية لكل الباحثين عن الحقيقة.