بقلم: أ.د. عدنان المساعده *
كمتابع لأحداث جائحة كورونا العالمية، أردنيا، فقد تم ادارة الأزمة بصورة مشرقة وكانت سجلا ناصع البياض يسجل في سفر الدولة الأردنية، كما يسجل ذلك بشكل خاص لجيشنا الأبيض من الكوادر الطبية الكفؤة والمؤهلة، ولجيشنا المصطفوي الباسل وأجهزتنا الأمنية المخلصة التي كانت قمة في التعامل مع الحدث تنفيذا ودقة وانجازا وسندا قويا لكافة مؤسسات الدولة، وتجلّت فيها أعلى درجات المسؤولية وتضافر الجهود لتجاوز تبعات هذه الكارثة التي واجهت أردننا الغالي كغيره من دول العالم، وعملت خلية مركز الأمن الوطني لادارة الأزمات على مدار الساعة بهمة عالية تدير المشهد ضمن خطة طوارئ ناجحة ومتميزة في قمة الإتقان وبإشراف مباشر ومتابعة من جلالة القائد الأعلى الذي قاد المعركة وهو يرتدي الزي العسكري بهيبة ووقار توجيها وفكرا وعملا ميدانيا، هذا الزي الذي أرتبط في وجدان الأردنيين رمزا للصلابة والشجاعة ومواجهة الأزمات التي يكون فيه الوطن بأيدي رجال المهام الصعبة طيلة مسيرة دولتنا الأردنية الراسخة.
وفي هذا الظرف، أرجو سيدي دولة الرئيس أن أضع هذه الملاحظات بين أيديكم وأنتم تضطلعون وفريقكم الوزاري بمسؤولية وطنية تاريخية تجعل الأمانة مضاعفة وخصوصا في هذا الظرف الاستثنائي الذي يوليه جلالة سيدنا ويتابعه بأدق التفاصيل الامر الذي يستوجب وضع خطط طوارئ استباقية وعلى مدار الساعة والافادة من السلبيات واعادة تقييمها وتقويمها معا وتعزيز الايجابيات ووضع سيناريوهات وحلول متعددة لمواجهة افرازات هذه الأزمة التي قد تنتج عن هذه الأزمة مستقبلا لا سمح الله ومن أهمها التأثير الاقتصادي والاجتماعي على مفاصل مهمة من حياة الناس. وهذه النقاط العشر سيدي دولة الرئيس تتمثل بما يلي:
أولا: الاهتمام بالجيش الأبيض ضمن المنظومة الطبية المتكاملة وتقديم الدعم الكامل له، حيث أثبتت هذه الأزمة ضرورة الاستفادة من كل جهد طبي لتحقيق الامن الصحي للوطن والمواطن على حد سواء، وخصوصا بدأ يلوح في الأفق ظهور بطالة قد تنال هذا القطاع الذي أنفقت عليه الدولة والأهل الكثير، وأثبتت هذه الأزمة أنه مهما كانت أعداد الخريجين فهؤلاء هم رصيد للوطن وهم الذين يحمون عافية الوطن، الأمر الذي يستدعي التوسع ما أمكن في إقامة المستشفيات لاستيعاب هذه الثروة الطبية الحقيقية وتدريبها وتأهيلها التي ستنهض بالرعاية الصحية الأولية والمتقدمة في بلدنا، والمحافظة عليها هنا، لا أن تذهب هذه الكفاءات الجاهزة لتغادر الى بلاد أخرى، حيث أن الكثير من هذه الكفاءات غادرت أرض الوطن سعيا وراء ايجاد فرصة عمل هناك بعد ان ضاقت بها السبل لتجد فرصة العمل هنا.
ثانيا: الاعتماد على الذات ومراجعة استراتيجيات قطاع الزراعة ومتابعة رفد المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية والمواد التموينية مما تنبت الأرض الامر الذي يدعو الى استغلال كل بقعة زراعية التي تم هجرها منذ عشرات السنين بسبب السياسات الزراعية الخاطئة التي لم تشجع الناس على الاهتمام بهذا القطاع، وخصوصا الطاقات الشبابية المعطلة التي لم يتم الاستفادة منها للعمل بالقطاع الزراعي، الامر الذي يوفر فرص العمل لهم من جهة ويزيد الناتج المحلي من جانب آخر، اضافة الى زيادة المخزون الاستراتيجي للسلع المهمة وخصوصا القمح والشعير والحبوب الاخرى وغيرها من محاصيل الخضار والفواكه التي تكفي سوقنا الاردني وتقلّل من نسبة الاستيراد.
وكما تعلم يا دولة الرئيس أن الرقعة الزراعية المستغلة في الأردن ما زالت دون المستوى المطلوب الذي يفي باحتياجاتنا، وقد يكون مرد ذلك الى عدم وجود سياسة زراعية واضحة تشجع المزارع، بالإضافة الى هجرة الريف مما ولد تقاعسا كبيرا وتراجعا ملحوظا خلال العقود الماضية وأنعكس ذلك على الانتاج الوطني من هذا المرفق الحيوي الذي كان يغطي نسية عالية من احتياجاتنا في بداية الخمسينيات والستينيات من هذا القرن وخصوصا مادة القمح، وقد سبق لي ومنذ سنوات ان كتبت عدة مقالات للعودة الى الأرض واستغلالها الاستغلال الأمثل التي تحقق كرامة الوطن والمواطن عل حد سواء
وقديما قيل لا خير في أمة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع ولنجعل من ذلك تطبيقا عمليا لينعكس تسارعا وتنمية على عجلة الانتاج وزيادة السلة الغذائية التي توفر للوطن ولأبنائه الكرامة وتسهم في تحقيق الأمن الغذائي الشامل، لنواجه تحديات المستقبل بتخطيط وعزيمة الأوفياء وجهود سواعد المخلصين الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
ثالثا: الاهتمام بالثروة الحيوانية حيث تشكل الثروة الحيوانية جانبا مهما من جوانب الأمن الغذائي التي توفر الدواجن وبيض المائدة واللحوم ومشتقات الالبان وهذه هي الأخرى قد تحقق فرص عمل لكثير من المتعطلين عن العمل في حال ايجاد دعم حقيقي لمربي الثروة الحيوانية الأمر الذي يتطلب أيضا مراجعة السياسات المتعلقة في هذا القطاع الحيوي والهام.
رابعا: الاهتمام بالقطاع الصناعي بشكل عام والمرتبط بالصناعات الغذائية بشكل خاص التي تعتمد على المنتجين الزراعي والحيواني لتكون رافدا لهذ المخزون الاسترتيجي. وهنا لا بد، من مراجعة التشريعات والقوانين التي تحفّز وتعمل على ازالة كل العقبات والتشوهات والروتين أمام هذه الصناعات لتكون منتجا وطنيا بامتياز، سيما وان بلدنا فيها الكفاءات المدربة في مجالات الصناعة المتعددة.
خامسا: تشجيع قطاع الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية واتخاذها كنموذج ناجح حيث أثبتت الازمة أن صناعتنا الدوائية وانتاج المستلزمات الطبية نجحت في توفير حاجة البلد والتصدير أيضا الامر الذي يشكل رافدا لاقتصادنا الوطني.
سادسا: تعزيز البنية التحتية في الجامعات ووزارة التربية والتعليم لتجاوز كل المعيقات التي واجهت التعليم الالكتروني عن بعد وعقد الامتحانات مع الحفاظ على سوية التعليم ومستواه، سيما وان التعليم الالكتروني أصبح من ضمن استراتيجات الدولة، الأمر الذي يتطلب أيضا تأهيل جميع الكوادر التعليمية والفنية لتقليل السلبيات ما أمكن.
سابعا: اقترح اصدار أمر دفاع او تشريع قانوني يلزم أثرياء الوطن الذين أثروا على حساب الوطن، ولكنهم امتلكوا الضمير الغائب خلال الأزمة وتقاعسوا نكوصا وانحدارا للوقوف الى جانب الوطن، واصدار امر دفاع يحمي اقتصادنا الوطني والمواطن من استغلال البعض من ذوي الضمائر الخربة والنفوس المريضة باحتكار السلع ورفع الأسعار واعتبارها جريمة ترتقي الى درجة الخيانة خلال الظروف الاستثنائية التي قد تواجه بلدنا لا سمح الله في المستقبل.
ثامنا: انشاء صندوق دائم للأزمات والكوارث تساهم فيه كل القطاعات الحكومية والخاصة (أقترح أن يسمى دينار المسؤولية المجتمعية تجاه الكوارث والأزمات) يخصم شهريا من جميع العاملين في القطاعين العام والخاص في الحد الأدنى بشكل دوري ويترك باب المساهمة مفتوحا للبنوك والشركات الكبيرة وقت حدوث الأزمة او الكارثة التي تهدد المجتمع لا سمح الله من باب المسؤولية المجتمعية، ويكون الصندوق تحت اشراف جهات رقابية مثل ديوان المحاسبة وغيرها من الجهات ذات العلاقة ضمن آليات تشريعية ناظمة لعمل هذا الصندوق.
تاسعا: تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والعاملين في الجامعات وطلبة الجامعات كفرق تساند جهود الدولة الرسمية وقت الازمات ضمن برنامج وطني شمولي تأهيلا وتدريبا لتأخذ دورها كرديف في مساندة جهود الجهات الرسمية.
عاشرا: وأخيرا، تكليف فريق مختص من أكاديميين واطباء مختصين بالطب النفسي ومختصين في الارشاد النفسي والاجتماعي والقانون وتربويين واعلاميين لمراجعة العادات غير الصحية التي يمارسها مجتمعنا الاردني في المناسبات، ونبذ هذه العادات ضمن التأسيس لثقافة مجتمعية تروج لها وسائل الاعلام الرسمي وادخال ذلك ضمن مناهج التدريس في المدارس والجامعات ترسّخ النهج الصحي السليم والسلوكيات الايجابية للتعامل مع بيئتنا برقي تعكس صورة الانسان المتطور بعقله وفكره وتصرفاته.
وهنا ينبغي ان نعيد ترتيب أمور الحياة وفهمها على طبيعتها وبساطتها دون تكلف أو تصنع لنعيش واقعنا بعيدا عن حضارة المصانعة والتقليد والنمط الاستهلاكي والسعي لتحقيق دولة الانتاج أمرا واقعا، وترشيد الاستهلاك وضبط النفقات على مستوى الفرد والأسرة وكافة المؤسسات، وأن نسعى لتحسين مستقبلنا الامر الذي يدعونا الى وقفة صدق مع النفس، واتباع السلوك السوي والتخلص من العادات السيئة، فالحكمة تستدعي ان نعمل وننتج ونتخلص من التبعية وترسيخ الاعتماد على الذات واقعا ونهجا لنكون أكثر قوة وصلابة. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
* كاتب واستاذ جامعي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية اليرموك
رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا.