بقلم: م. عادل محمد المساعدة - دبي
نُؤكد بداية أنَّ الإشَاعاتِ وتداولَها سُلوكٌ قَديمٌ، مَارستُه أُممُ الأرضِ كَافةً خِلالَ حِقبِ التْاريخِ المتعددة، وبِنسَبٍ مُتفاوتةٍ، وذلكَ بِغضِّ النَظرِ عَنْ نَهجِها الثَقافِي، والإخْتلافِ في الطَريقةِ والشَكلِ والأسلوبِ، وقَد كَانتْ الشُعوبُ التي يَغزُوها الفَراغُ ، وَقلَّةُ الوعي، وَنقصُ المَناعةِ الوَطنيّة، أكثرَ عُرضَةً وأشدَّ تأثُراً، عِلمْاً أنّها كَانتْ فِي مُعظَمِها تتَعرَضُ للمَنظومةِ القِيَميّة، قَبْلَ أنْ تَتطورَ وتَتخذَ أشْكالاً مُختلِفةً يَطالُ تأثِيرُها مُعظم مَناحِي الحَياة.
مِما لا شَكّ فيه، انَّ الإشَاعةَ وبِما تَحملُه مِن الأخبارِ الكَاذبةِ المُضلِّله، تُشكلُ خَطراً كَبيراً على حَياةِ المُجتمعِ والأفْرادِ فِي الظُروفِ العَاديّةِ، وتَزدادُ خُطورتُها في الأزماتِ والكَوارثِ. وبِناءً عَلى ذَلك، فإنّه يَتطَلبُ إتخاذُ كَافةَ الوَسائِل المُتاحةَ للحدّ مِنها، والتَقليلِ من آثارِها الأمنّية والإقتصَادية والإجتماعيّة والنَفسيّة في ظلِّ التدُفق الهَائل من المعَلوماتِ، التي تَنشأ في زَمنِ الأَزماتِ والأوبئةِ، ممّا يَسمحُ بانتشار الكَثيرِ منها في مستنقع الإشاعةِ، ويتمّ نشرُها كحقائقٍ تَصبحُ ثابتةً وراسخةً في أذهَان الكثيرين ممن لا يمتلك التحصين الفكري والثقافي والقيمي، ممّا يُحوّلُها الى وباءٍ خَطيرٍ تَصعْبُ مُحاصرُته في ظلّ ما يشهُده العَالمُ من تَقنياتٍ تَسمحُ بِتسَلّلِ المَعلومةِ واقتحامِها لمَجالسنا وعقولنا بكلّ سُهولةٍ ويُسر.
من خِلالِ قِراءةِ المشَهدِ الإجَتماعي في ظلّ أزمةِ كورونا الراهنةِ، وما يتمّ به من تَلاعبِ بالصُورةِ الذهنيةِ المُجتمَعيةِ، وصَلت الإشاعةُ الى أبعدِ مَدى، حتى تمّ التصورُ لدَى البَعضِ أنّ ما يحدثُ هو مؤامرةٌ كونيةٌ، ووصلَ بهم الأمرُ الى درجةِ إنكار وجودِ الوَباء، برغمِ ما نشهدُ بما يحصدُه من أرواحِ البشرِ، ومِنْ تَوقفِ مَظاهرِ الحَياةِ في مُختلفِ أنحاءِ العَالم، وهذا يؤكدُ أّنّ الإشاعةَ تتعدى كونها مَجموعةَ أخبارٍ مُفبركة يتمُ تداوُلها، بل أصبحَت إحدى أدواتِ المُواجهة التي يَنبغي التَعاملُ معَها من قِبل أجهزةِ الدّولةِ على المُستوى السِّياسِي والأمني والفكري والإعلامي.
وفي الأزمةِ الحاليةِ ايضاً، تَعدّتْ الإشاعاتُ حالتَها التقليديةَ وأخذَت أبعاداً اشدّ خُطورةً ، ممّا جعلَ الحكومةَ ممثلةً بإعلامها الرّسمي الشَامل، تَبذلُ جُهوداً مُضنيةً، وبِما تتسلّحُ به من أدواتٍ استراتيجيةٍ للتصَدّي ومُكافحةِ وَباء الإشاعات الفتّاك، مِن خِلالِ ما قامَت به من إحاطاتٍ إعلاميّةٍ مُنتظمةٍ وبصورةٍ مِهنيةٍ مُحترفةٍ وشفَافةٍ، وبمسَاندةٍ من أصحابِ الأقلامِ الوطنيةِ التي مِدادُها الوفاءُ والإخلاصُ للأردن وقيادتِه الحكيمةِ، مما قلّل الى حدٍ كبيرٍ من الشائعاتِ الهدّامةِ، رغمَ لُجوءِ البعضِ لأهدافٍ مكشوفةٍ ومآربَ ليست نظيفة، وعن عَمدٍ وإصرارٍ إلى نشرِ الاشاعَات، مُستغلِّين بِشكلٍ بَشعٍ ساحاتِ التواصلِ الإجتماعي، وقد شكّل بعضُها أفكاراً في مُنتهى الخُطورة لامَستْ الأمنَ الوَطني وَعرضتُه للأشكالِ المُختلفةِ من الأخْطار.
إنّ الإستهدافَ المُغرِض، وتشتِييت جُهودِ الدولةِ والمُجتمعِ في مثِل هذه الظروفِ، وما ينتهُجه مُرَوِجو الإشاعات، وفي الوقتِ الذي نحتاجُ فيه إلى التكاتفِ والتلاحمِ في هذه المُواجهةِ الصّعبةِ، جَعل الدولةَ مضطرةً لتكريسِ جزءٍ من جهودِها وامكاناتِها لمُكافحةِ هَذه الفِئة، وتفنيدِ ادعاءَاتِها الهدّامةِ، في الوقتِ الذي كانَ من المفروضِ أن يتمّ تسخيرُ هذه المواردِ الثمينةِ من أجلِ حِماية المُجتمعِ وضَمانِ سلامتِة وامنِه.
انّ الوقايةَ من هذه الآفاتِ في وقتِ الأزمات، يتطلبُ من أفرادِ المُجتمعِ أعلى درجاتِ الوعي، واستقاءِ المَعلوماتِ المَوثوقةِ والصَحيحةِ، وَتمحيصِ كلّ ما نقرأه او نَسمعُه والتأكدُ قبلَ نشرِها أو تداوِلها، حتى لا نَنساقَ وراء الكاذيب ونترك الساحة للافكار الهدّامة والأخبارِ المسمومةِ، التي لا تريدُ الخير لبلدِنا، ومَطلوبٌ منّا أن نُفوِّتَ على النُفوسِ المَريضةِ المترَبصةِ بنا، والتي تهدفُ الى زَعزعةِ الأمنِ والإستقرارِ، وأن نكونَ جُنوداً مرابطينَ أوفياءَ، ندفعُ عن وطِننا الأذى، والويلُ كلّ الويلُ لِمَن يؤتى الخَطرُ من قِبَلِه، وأن نَبذلُ الغالي والنفيسَ في الدّفاعِ عن الحِمى الذي نتفيأ ظِلالَه واحةَ أمنٍ وعزٍ وسَلام ٍ، وواجبٌ علينا أن نجعلَ منه وطَناً قَويّاً مُهاباً مُعافى، لنا وللأجيالِ القادمة.
وفي الخِتام ، فإنَّ علينا الإيمانَ بأنَّ كلمةً واحدةً تُقالُ في لحظةِ وَعيٍ تُنقذُ أمَة، والإشاعةُ عندما تنطلقُ في أوقاتِ الأزماتِ ومَواقفِ الشدّة سهمٌ مَسمومٌ قاتلٌ مُوجهٌ إلى خاصرةِ الوَطن، وخِيانةٌ بحقِّه وحقِّ المُجتمع، وهنا يجبُ محاسبةُ ومعاقبةُ ناشرِي الاشاعة ومروّجِيها وِفقاً لقوة القَانون وسيادة الدّولةِ، لما تشكلُه الاشاعة من نشر الهلَعِ والذًعِر والخَوفِ في مُجتمعنا الآمنْ، الذي أحوجَ ما يكونُ الى بثِّ الطُمانينةِ، في هذِه الظًروفِ العَصيبةِ، ممّا يعزّز الثقةَ المُتبادلةُ بين الحكومةِ وكافةِ القِطاعاتِ التي تشكّل نسيجَنا المُجتمعِي.
حمى الله وطنَنا وقيادِته وشعبَه، ولا نامتْ أعينُ الجُبَناءْ.
• دبي – دولة الامارات العربية المتحدة