انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

شهد الطراونة تكتب: كورونا لا تقبل الواسطة

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/30 الساعة 01:31
حجم الخط

بقلم شهد كمال الطراونة

جاءت شرسة بطبعها، لم تغرِها المناصب، نبعت من بلاد بعيدة، غريبة عن أغلبية شعوبنا، لكنها تملك طاقة عجيبة!

ملفات سياسية وصفقات اقتصادية وغيرها، تدحرجت تحت الطاولات وخلف الكواليس، وبين أروقة محادثات واجتماعات تطبيقات الهواتف الذكية، لكن كورونا تابعت بشفافية يوميات السياسيين والمسؤولين متعددي الهوايات وحتى يوميات الشعوب بمختلف جنسياتهم ودياناتهم.

كورونا تملك دفتر مذكرات، دوّنت فيه الفساد وتغول السلطات بالمال والأعمال على الفقراء، وهُنا نقصد فقراء الفرصة أيضاً، الانتهاكات هذه روت كذلك في فترات تتالت فيها كوارث بيولوجية على البشر كالطاعون وسارس وانفلونزا الخنازير، واستغلتها منظمات وحكومات وعصابات للتجارة في الأزمة على حساب صحّة البشر.

بيدٍ صلبة جالت كورونا القارات وضربت دولاً عُظمى، وأثرت بشعوب يعتبرها البعض قدوة في الالتزام بالقانون، وأحرقت تاريخ البشرية وحاضرها وجعلتهم يفكرون بالمستقبل بطريقة أخرى؛ عبر مساهمتها بتعرية علاقة الشعوب بحكّامهم، فمنهم من فضَّل صحة الشعوب على اقتصاد البلاد، ومنهم للأسف طبَّق عكس ذلك، وشاهدنا النتائج البشعة.

وبعد كل كارثة تولد أخرى، فقد يزداد الفقير فقراً، وربما يزداد الغني غنىً، وسلامٌ على الطبقة الوسطى؛ لذلك فإن الليبرالية والرأسمالية وحكومات الاقتصاد الحر ومنظمات المجتمع المدني، تستغل كورونا في سياق إعادة بناء نفسها ولكن الفرق أن الفجوة ستتسع.

كورونا السمراء في الشرق الصحراء

بعد ما يزيد عن ثلاثة أشهر من انتشارها في الصين وتوسعها في القارة العجوز وغرب الكرة الأرضية، انزلقت كورونا إلينا، وتساءلت: كيف سأضرب؟ حروبٌ وفقرٌ وجوع، ألا يكفي المنطقة سلاسل الموت التي تطوق عنقها منذ سنوات؟

ووسط تساؤلات كورونا، وقعت عينها على الأردن، وهي بلادٌ مرّت بحضارات عدّة، لا تزال تتعرض لمعارك ومؤامرات داخلية وخارجية، قد تتجسّد مقاومتها من خلال سيناريو مسرحية "بترا" -تأليف الأخوين رحباني عرضت في عمّان ودمشق وبيروت بين عامي 1977 و1978- وسأثبت ذلك، من خلال كلمات لأغنية صدحت بها حنجرة فيروز خلال المسرحية:

"بيقولوا صغير بلدي .. بالغضب مسور بلدي

الكرامة غضب والمحبة غضب.. والغضب الأحلى بلدي

وبيقولوا قلال .. ونكون قلال بلدنا خير وجمال

وبيقولو يقولوا .. شو هم يقولوا شوية صخر وتلال

يا صخرة الفجر وقصر الندي .. يا بلدي

يا طفل متوّج ع المعركي غدي .. يا بلدي

يا صغير وبالحق كبير وما بيعتدي .. يا بلدي"

الأردن؟ بلدٌ يتوسط حلقةً من الأزمات العربية، ويحتضن أبناءها،

اقتربت كورونا أكثر، ورأت مباشرة ما عرضته لها شاشاتها، شعبٌ جميل في منازل جميلة، مؤسسة عسكرية تفتخر بشعار ثلاثي "الله، الوطن، الملك"، كورونا صُدمت برؤيتها لشبانٍ، أُرهقوا من انتظار فرصة شبه معدومة، للمضي بدرب طموحهم، تقف فيه عقبات قرارات صنّاع القرار شبه المزاجية.

كورونا شابها الحزن نوعاً ما، حتّى وإن كان التعبير لا يصف طبعها عديم الإنسانية، ومع ذلك اتحد الجميع لمحاربتها، فهم ورغم التحديات العديدة يختارون بلدهم وشعبهم؛ لإيمانهم العميق به.

هي الأخرى، استجمعت قواها وتساءلت في نفسها: كيف يُعقل أن أدخل هذا البلد وهو مبني على مبدأ "الإنسان أغلى ما نملك"؟

لذلك؛ لم تضرب كورونا بالقوة ذاتها كما كانت في رحلتها، بل غيّرت جلدها ونثرت جزيئات فقط خجلاً مما رأته، أُصيب المئات وتوفيَ البعض، وكانت تتوقع بأن تكون الحصيلة أكبر، إلّا أن التكاتف الفجائي واللُحمة الوطنية غير المسبوقة وقفت كالسّد المنيع في وجهها.

عادت وتساءلت: ماذا أفعل؟

السد المنيع نفسه، فوجئ بتشققات في داخله، تماماً كتشققات الطريق الصحراوي بعد هطول المطر وظهور هشاشة في تعبيده، هو تشبيه تدور حوله منظمة الفساد، ولكن تشققات السد المنيع في ظل جائحة كورونا، لا بد أن تتكشف خلال توقيت إدارة الأزمة، وقد تحتاج للتكاتف من أجل ترميم التشققات، أو هدم السد وإعادة بنائه بسواعد أبناء البلد.

متاهات الإدارة

رغم أن كورونا خلقت حالة طوارئ في الأردن بغية مقاومتها والحد من انتشارها، إلّا أنها غيّرت في عادات الشعب الاجتماعية، وأدخلته في جو الخطر والخوف الحقيقي، خاصة وأن الشعب عاش حالة من القلق لفترة ليست بالقصيرة بسبب "الخبز"، إلى جانب ضغط نفسي تعيشه فئة أخرى، كرّست جهودها بمسؤولية الدفاع عن الوطن والمواطنين.

هكذا، كشفت كورونا أوراقاً جديدة من الفساد، و"كبش الفدا" حضر بالتأكيد، لينقذ تجّار الأزمات المقنّعين بحب الوطن، وبالصدفة سُلّط الضوء بعدالة إلهية على كل من يحمل هم الوطن في داخله بعيداً عن المصلحة الشخصية، ولتبدأ معنا معركة جديدة مع شريك حقيقي تقتضي بإنقاذ الوطن من ذوات صعدوا على ظهور الشعب حتى أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه الآن.

قد أستطيع أن أقرب لكم المشهد أكثر، من خلال شهادتي على يوم "توزيع الخبز"، وما شهده من تخبط. فخوف المواطنين وقلقهم من أجل لقمة الخبز كان مؤلماً جداً، كل هذا بسبب عدم إيفاء جهات معنية بوعودها بتوصيل الخبز إلى المنازل بسبب ضعف في التنسيق، ما ينعكس مباشرة على أن هذه الجهات المعنية، هي ذاتها من دخلت على خط إدارة الأزمة، وأفشلت صورته بسبب ضعف موجود فيها أصلاً.

بعيد يوم الخبز، حضر خطاب ملكي إيجابي بث الأمل في روح الأردنيين، فرؤية القائد لها انعكاس جميل، وشخصياً أشبه انتظاره كشعور طفلة تنتظر عودة والدها من العمل لتخبره ما جرى معها في المدرسة، إلا أنها لم تخبر القائد بشيء ولن أعلل السبب.

بأمل تحدث جلالة الملك وبشكر الكوادر الصحية والأمنية والعسكرية تابع حديثه، وعند الانتهاء، سارعت الحكومة بالعمل، وصراع التصاريح بدأ، وإيجاز الساعة السابعة بات جزءاً كبيراً من حياتنا وكأنه الفاصل لحياتنا في اليوم التالي.

قرارات أسعدت المواطنين كثيراً، مثل تأجيل أقساط البنوك وفوائدها وتعويض عمال المياومة والأسر الفقيرة وغيرها.

جميعُنا نعلم مدى غرابة بعض القرارت ودهشة الجميع منها، ولن نأتِي الآن على ذكر مدى التزام البنوك بتلك الأوامر، إلّا أنها كانت قرارات لحظية تهدف لتسهيل العيش في مرحلة عصيبة واستثنائية تسببت كورونا بها.

أخيراً، كورونا علمتني ما لم أتعلمه في الحياة، فقد كشفت لي معالم البلاد وكيفية إدارتها، وأظهرت لي أيضاً كيف يعمل "تجار الأزمات"؟ وكيف تضحي "ملائكة الرحمة"؟

بيّنت لي من هم الجنود الحقيقيون؟ في مواجهة الأزمة والقابضون على قلوبهم؛ تضحية للوطن وشعبه؟

بيّنت لي من حاول المراوغة لاتباع استراتيجية "مناعة القطيع" لملء جيبه وتسيير أعماله، مستغلاً آلام المساكين وجيوبهم.. غير أن الرهان على من يضحك آخراً يا سادة، فأزمة كورونا لم تنته بعد، والمعركة لا زالت في بدايتها، لكن ما أراه أن الأردن لن يكون إلّا في أعالي السحب بإرادة أبنائه وبناته، حراثي الأرض وزارعي الورود، من أعلى جبال الشمال إلى أقصى وديان الجنوب السمراء.

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/30 الساعة 01:31