كتب: الدكتور انور العتوم / مستشار سابق بوزارة الخارجية
جاء المقال الذي كتبه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، والذي نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" الامريكية في الثامن والعشرين من نيسان الجاري 2020 بمثابة صرخة ضرورية للعالم اجمع لتعديل المسار العالمي من اجل مواجهة الكوارث والأوبئة التي تواجهها دول العالم.
وواقع الحال، فقد جاءت تلك الصرخة (الضرورة) في وقتها ، وفي وقت عجزت فيه دول العالم عن التصدي لوباء كورونا المستجد ، والذي حول العالم من عالم ديناميكي نشط الى عالم (خامد) ينتظر امرا الهيا للخلاص، وادى الى تساوي الدول في عجزها عن مواجهة هذا المرض الفتاك.
لم يكن احد يصدق ( بضم الياء وتشديد الدال ) بأن العالم سيجمع يوما على وضع موضوع بعينه ( مشترك ما بين الجميع ) كأولوية وهدف رئيسي لمحاربته او التعامل معه - كما ذكر جلالته في مقاله - الى ان جاء كورونا ليكون صاحب الاولوية والعنوان الرئيس في سياسات ومخططات هذه الدول ، الا ان هذه الدول بقيت قاصرة ، وغير قادرة على التعاون لمحاربة هذا الوباء بشكل جماعي ، لا بل ركزت على جهودها الفردية ، لسبب واحد هو ان اي منها لم يجد من يدعمها او ينسق معها لمواجهة هذا الوباء ، مما ادى الى فوضى وتخبط في مواجهته ، لا بل عادت بعض الدول الى ما يشبه القرصنة ، والى عصر ما قبل القانون الدولي لتأمين بعض العلاجات او الاجهزة الطبية لمواطنيها .
في غمرة هذه الفوضى، جاءت دعوة جلالة الملك الجريئة والشجاعة على مستوى العالم لضبط العولمة واستخدامها بالشكل الصحيح ، وبأن بلدا واحدا بمفرده لن يكون بمقدوره مواجهة مثل هذه الجائحة ، وبأن ( عولمة العالمية ) اصبحت ضرورة ملحة ، اذ ان نموذجا واحدا بعينه (العولمة) لن يكون بمقدوره الصمود والمواجهة ، ولا بد من صيغة عالمية تتعاون الدول بموجبها بشكل متبادل وتلتقي على مواجهة التحديات البشرية بكافة انواعها .
دعوة جلالة الملك المعظم، هي دعوة للفضيلة والتعاون ولتطبيق مبادئ الانسانية القائمة على الاجتماع البشري، وان شعباً واحداً او دولة واحدة بعينها لن تكون قادرة على مواجهة التحديات، وانه اصبح من الضروري ان تشارك كافة النماذج ( الدول ) بعضها البعض وتتعاون لصالح البشرية.
ان العولمة (النموذج الواحد) لم تعد تجدي نفعا، خاصة اذا ما عجزت عن ايجاد حلول للكوارث والأوبئة، ولا بد هنا من العودة لنموذج العالمية، ليكون نموذجاً (عولمياً) تتبادل من خلاله الدول خبراتها في هذا الشأن. فنماذج بعض الدول الصغرى والنامية، ومنها الاردن مثلا، في التعامل مع جائحة كورونا، باتت بشهادات دول عظمى، نماذج ناجحة وراقية اكثر بكثير من نماذج الدول الكبرى والمتقدمة في التعامل مع هذه الجائحة.
شكرا جلالة الملك المعظم على طرح هذه الافكار الخلاقة والجريئة والشجاعة في هذا الوقت بالذات، الذي احوج ما يكون فيه العالم لمبادرين للاصلاح، خاصة اذا كان المبادر بحجم جلالتكم الذي يلقى كلامه صدى كبيرا في انحاء مختلفة من العالم .