أتى الرئيس الأميركي دونالد ترمب على ذكر صحيفة النيويورك تايمز مرات عديدة في مؤتمراته الصحافية أخرها ظهوره اليومي الذي يتابعه الملايين في أميركا وحول العالم.
رئيس أعظم دولة يتذمر للرأي العام الأميركي والعالمي من الصحيفة التي تنتقد أداء إدارته بحدة مع أن حجم النقد في مواقع التواصل أو عبر بعض المحطات الأميركية الشهيرة قد يكون أكبر بكثير لكن هذه الصحيفة هي المشكلة المؤرقة لزعيم دولة تتربع على قمة التكنولوجيا وقد وضعته في خندق الدفاع.
الصحافة الورقية المستقلة في العالم الممولة ذاتيا لم تسقط من السماء فلها تاريخ من صراع البقاء مثلها مثل إذاعات ومحطات تلفزة ارتقت بثقة القراء والمشاهدين والمستمعين مقابل أخرى لمعت فجأة واختفت مع نضوب تمويل طارئ لم ينتج صحفا ولا إذاعات ولا حتى محطات تلفزة استمرت وقد قيض لها كل أسباب الدعم والرعاية المعنوية والمالية لأنها ولدت كالمنبت لخدمة غرض سياسي مجهول أو تجاري متشابك أو فكرة منفردة في رأس صاحبها.
الصحف حافظت على مستواها المهني وموثوقية محتوياتها، ومقالاتها وقوة تأثيرها رغم أنها تتعرض الآن لأزمة مصيرية، فالتوزيع في تراجع وكذلك إيرادات الإعلانات ونالت منها ثورة الاتصالات والأزمات الاقتصادية وستسرع أزمة كورونا في ضعفها مالياً وربما خنقها.
تراجع الصحف لم يكن فقط بسبب تقصير من جانبها، أو هبوط في مستواها وإن كانت تلك من الأسباب ولنا في تفسيرها رأي آخر لكننا نقر أن التراجع كان لحساب الوسائل الرقمية أو صفحات في مواقع التواصل تقدم مجاناً على شبكة الإنترنت وبلا كلفة والمعيار فيها «اللايك» و«الكومنت».
تجربة «نيويورك تايمز» صورة تتكرر في صحف كثيرة ومنها الصحف الأردنية فالصحيفة الأميركية أصبحت تعتمد على الديون بعد عقود من الأرباح إلى أن رهنت بنايتها للدائنين، وربما تتخلى عن أصولها لكنها لا تزال تعمل وتسبب صداعا لرئيس أقوى حكومة في العالم بما يستطيع أن يضيق عليها الخناق والتمويل ويدفعها إلى حتفها وان يضخ ملايين الدولارات من جيبه او من موازنة الدولة او من تجمع رجال أعمال او منحة في صحف منافسة ومحطات تلفزة موالية ويمدها بالأخبار الحصرية ويأمر الوزراء وكبار المسؤولين بالظهور فقط على شاشتها أو على صفحاتها أو عبر أثيرها بكثافة ليقضي عليها ويفض من حولها الجمهور ويبالغ في عناوين الديمقراطية وحرية الرأي والمهنية والانتشار التي تفتقر إليها الصحف ووسائل الإعلام الاخرى كما يراها هو وربما قد فعل، لكن لا هذا ولا ذاك أوقف حتى الآن ترمب عن الشكوى من الصحيفة الورقية «الميتة» التي لا تجعله ينام.
qadmaniisam@yahoo.com