منال كشت تكتب: زيتنا مش عكر .. لكن الحمل ثقيل

بقلم منال كشت

"أنا كنت اشتغل بتنظيف البيوت بس هلا قاعدة وما عندي حق علبة حليب لابني الصغير"، تشق الكلمات قلبي بلا رحمة وأحاول جاهدة ان اضبط نبرة صوتي لأطمئن صوت ام محمد "المكسور" بأن لا تقلق وان الاردنييات والأردنيين فيهم الخير واكيد "ما حدا رح يقصر معها". وينقضي النهار بين حليب محمد، ودواء ابو علي، وصندوق خير لام ماهر، ومساعدة نقدية لخليل بقلب ثقيل رغم بهجة القدرة على التفريج عن كرب الناس.

أرهقتنا جميعا هذه اللعينة، كورونا، فظة هي بلا رأفة. لم ترحم عمال المياومة الذين انقطع مصدر رزقهم فباتوا حيارى يتنقلون بين منصة إلكترونية، وأخرى لتسجيل أسماءهم للحصول على إغاثة عاجلة تشد من أزرهم و"تمشي حالهم".

لعينة هي كورونا؛ لم يردعها خوف الامهات ولا جوع الاطفال، لم يوقفها أنين المرضى ولا شوق الغياب. لم تأخذها شفقة بأحمالنا الثقيلة التي لطالما رزحنا تحت رحمتها، حتى قبل قدومها فعاثت فينا رعبا وهلعا وخوفا مما هو قادم.

ورغم كل تنكيل كورونا بنا، إلا أننا صمدنا، حتى اللحظة؛ تجاوزنا الكثير من الخلافات بكل مستوياتها لنتحد تحت راية الانسانية؛ فتحنا النوافذ وطرقنا ابواب الجيران وسألنا "محتاجين اشي؟"

بتنا أكثر تعاطفا ورحمة ولُحمة، رغم بعض الهفوات والأخطاء، تكافلنا وكنا السند والأمل لبعضنا رغم قلة الإمكانيات الفردية. نُظمت الحملات وجُمعت التبرعات واُغيثت بعض العائلات.

كورونا غليظة المعشر لن تغادرنا سريعا، ولن تعود الحياة الي طبيعتها قريبا، ما سيزيد من اعداد العوائل التي ستضاف الى صفوف المتعثريين في سداد أقساطهم وإيجاراتهم وديونهم والتزاماتهم. ولن تستمر طرود الخير مطولا وسيزداد العبء على الجميع بلا استثناء.

الحكومة اليوم وجهت البنك المركزي لتقديم قروض وتسهيلات للقطاع الخاص لضمان تسيير أعمالهم ودفع رواتب موظفينهم، رغم تغول العديد من الشركات الخاصة على العاملين فيها والتعدي على حقوقهم، ولكن من سيدعم عمال المياومة؟

الارقام حاليا تشير إلى نصف مليون مواطن تقدموا بطلب للإغاثة عبر المنصات الحكومية الإلكترونية، وجميعنا على يقين بان الإعداد في تزايد مستمر، خصوصا مع الإصرار الحكومي على دعم اصحاب الرأسمال من بنوك وشركات اتصالات وأسواق كبيرة على حساب الفئات المجتمعية الهشة الأكثر تضررا.

وفقا دراسة اجرتها الإسكوا، فإن القطاع غير الرسمي (عمال المياومة) سيكون الأكثر عرضة للخسائر، وحيث أن نسبة 62٪ تقريباً من النساء العاملات في المنطقة العربية يعملن في هذا القطاع، فإن النساء سيتكبدن هذه الخسائر بشكل غير متوازٍ مما سيؤثر بشكل مباشر على الاستقرار العائلي ولاحقا الامن المجتمعي.

سنصبر على الحجر والعزل، سنصبر على الاشتياق والبعد، سنصبر على التباعد والوحدة ... ولكن حتى كورونا الشرسة لن تقف عائقا امام جوع الناس، فاحذروا.