يمثل وباء كورونا احد اكبر التطورات والتحديات التي تواجه المنظومة الدولية ، والذي من المتوقع ان يترك اثره على شكلها وتركيبتها في ظل الخسائر البشرية والمادية الباهظة المفاجئة وغير المتوقعة التي تسبب ، وسيتسبب بحدوثها في الايام والاشهر القادمة ، متجاوزا ما كان يعتقد انها مصدات او حصون علمية ومعرفية وتكنولوجية عالمية كفيلة بالحفاظ على هذه المنظومة من المخاطر والتهديدات ( الخارجية ) ، حيث مثل اختبارا عالميا حقيقيا لمدى فاعلية النظام الدولي وقدرته على الاستمرارية والصمود ، ومدى اهلية الولايات المتحدة واحقيتها في قيادته والتفرد والتربع على قمته ، وذلك في ظل الفشل الذي اصاب نظامها الصحي ، كما الانظمة الصحية الغربية بشكل عام ، وسقوط منظومتها القيمية والاخلاقية وعدم توفير المعدات والمستلزمات الطبية المطلوبة ، لتتحول الى واحدة من اكبر البؤر التي تفشى فيها الوباء في العالم .. لدرجة تفكيرها بالتخلي عن مضامين الرسالة الطبية الانسانية والاخلاقية من خلال حرمان بعض المواطنين من كبار السن تحديدا ، من حقوقهم العلاجية ، لتعويض النقص الحاد في الادوات والمستلزمات الطبية .
اضافة الى سيطرة الانانية وانعدام روح التعاون بين الدول الغربية ، التي فضلت الانكفاء والانغلاق على نفسها وادارة ظهرها لغيرها من الدول الحليفة لها في مواجهة هذا الوباء من خلال عدم تقديم المساعدة او الاستجابة لطلبات هذه الدول او غيرها واستغاثاتها ، بصورة منافية للاسس والمبادئ التي قامت عليها مثل هذه التجمعات والاتحادات الاقليمية .
ان انهيار الانظمة الصحية في اميركا والغرب في مواجهة فيروس كورونا ، قد يتبعه انهيارا في الانظمة السياسية نفسها ، وذلك تحت تأثير ضغط المطالب الشعبية بضرورة تغييرها بسبب فشلها وعجزها عن حمايتها من خطر هذا الفيروس .
بطريقة قد تؤدي الى التفكير باعادة ترتيب البيت الداخلي لكل دولة ، ومن ثم اعادة النظر بعضويتها في التجمعات والاتحادات الغربية التي تنتسب لها ، كالاتحاد الاوروبي ، ومنطقة اليورو والناتو ، وربما تبني توجهات وسياسات قد تؤدي الى فكفكتها ..
وبذلك يصبح النظام الدولي الذي تقوده اميركا مهددا بفقدان احد اهم الاعمدة والاسس والقواعد التي قام عليها .
في اشارة الى فشل الاليات والمذاهب والمدارس والافكار التي قامت عليها الانظمة السياسية الغربية ، وبالتالي النظام الدولي نفسه ، كالعولمة والرأسمالية والليبرالية والديمقراطية ..
في مقابل الصورة التي ظهرت فيها الصين مثلا ، التي تنتمي لمدرسة فكرية مختلفة ..
وكيف انها استطاعت محاصرة الفيروس ، وقيامها بتقديم المساعدات والمعدات الطبية لبعض هذه الدول الغربية كالولايات المتحدة نفسها وايطاليا واسبانيا وفرنسا وغيرها .. مما قد يدفع بالمواطن الغربي بالانقلاب على المفاهيم والافكار والقيم التي طالما أمن بها واعتنقها من خلال المطالبة بوقف مشاريع الخصخصة مثلا وعدم ترك الامور الصحية بيد القطاع الخاص ، وتركها للدولة والحكومات لتقوم ببناء المستشفيات والمراكز الطبية والبحثية وغيرها .. اي المطالبة باعادة النظر بدور الدولة الاقتصادي والاجتماعي وضرورة تدخلها بما يرى انها قضايا وملفات اساسية وضرورية له كمواطن .. في مقابل استعداده للتخلي عن جزء او بعض المظاهر الديمقراطية التي ينعم بها من انفتاح وحرية وغيرها .. معطيا الاولوية للبعد الصحي ( والامني ) على حساب البعد الديمقراطي الذي طالما طالب به وشكل احد اهم معايره في اختيار من يحكمه عند صناديق الاقتراع .
امام هذا الاحتمال فقد تكون الفرصة سانحة لخلق بيئة سياسية جديدة ، قد تدفع بتغيير النظام الدولي واقامة نظام جديد تكون دولة مثل الصين مرشحة لقيادته الى جانب الولايات المتحدة ، بحيث يتحول من احادي الى ثنائي من حيث التصنيف الاقتصادي تحديدا بعد ان اثبتت الصين مكانتها الاقتصادية العالمية ، مع قابلية هذا النظام بالمفهوم الاقتصادي الى التطور ليأخذ الشكل التعددي بانضمام دول واطراف اخرى اليه ، كروسيا واليابان والهند ودول أوروبا ، مما يعزز من احتمالية ان يشهد العالم تغيرا في خارطة القوى الاقتصادية والسياسية في المستقبل ..
مع التأكيد على احتكار الولايات المتحدة لدورها الاحادي في قيادة المنظومة الدولية وفقا للمعيار العسكري ( والسياسي ) لسنوات قادمة يتوقف مداها على مدى وجود تحالفات وتكتلات ومحاور واحلاف عسكرية واقتصادية وسياسية بين قوى واطراف دولية تمتلك من العناصر والعوامل البشرية والمادية ما يؤهلها لمنافسة الولايات المتحدة على زعامة المنظومة الدولية وادارتها .