بقلم: عبدالحافظ الهروط
هذا عنوان مضى عليه أكثر من ربع قرن وفي مقال كتبته في صحيفة الرأي.
المناسبة خروج المناضل ضافي الجمعاني من السجن في سورية، وقد أفنى عنفوان عمره فيه بعد ان انتقل من سلاح الجيش العربي الى منظمة التحرير الفلسطينية.
المناضلون الأنقياء أكثر الناس الذين يتهمون بالعمالة والخيانة فإما الجوع والنفي والتشريد وإما التصفية الجسدية تعذيباً وقتلاً وسجناً، الا أن أبا موسى دفع ثمن فكره الثوري العروبي في القوات المسلحة الاردنية ومنظمة التحرير وكان ثائراً من اجل فلسطين وثائراً على نفسه اذ لم يقبل ان يكون صاحب مال وقد توافر له في قيادة العاصفة وبإعتباره الرجل الثاني بعد قائد المنظمة الراحل ياسر عرفات، فدخل السجن وخرج منه بعد أكثر من عشرين سنة.
كان أول من هاتفه بعد اطلاق سراحه الراحل الحسين مطمئناً على صحته، رد ضافي الجمعاني شاكراً "أنا بخير وعند ربعي" وكان يقصد بـ"الربع" المكوّن الاردني والفلسطيني على اختلاف المواقع من حزب البعث العربي الاشتراكي ومن في سلاح الجيش الاردني ومنظمة التحرير والقبائل والعشائر ومنها قبيلة بني حميدة، مثلما تلقى اتصالاً من الرئيس العراقي صدام حسين الذي وصفه الجمعاني بالزعيم العنيد والذي لا يخشى المواجهة مهما كانت الكلفة على نظامه.
وبحكم فارق السن حيث لم أكن اعرف عن هذا " الحميدي الثائر" سوى انتقاله من الجيش الى المنظمة وانه يقبع بالسجن السوري، وقد أكرمته عشائر بني حميدة بإقامة الدعوات، ومنها عشيرتي، فاستفسر عني وعندما صافحته قبّلني بحرارة وقال "عموّ كل الذي كتبته صحيح وإنني ثائر على نفسي ومحب للأردن وثائر لفلسطين والأمة".
نقلت له زوجة المناضل خليل الوزير(أم جهاد الوزير) رسالة من الرئيس عرفات فقام بفتح الرسالة وعندما أنهى القراءة ضحك فأصرت أم جهاد الا ان يخبرها عن سبب ضحكته، فأخفى في بداية الأمر إلا انها استحلفته بروح زوجها و"شرف الثورة" فقال مازحاً "يا أم جهاد، توقيع الرئيس قبل عملية السلام (شكل) وبعد العملية (شكل ثاني)".
وقيل ان ضافي الجمعاني رفض استلام شيك من الرئيس الفلسطيني الراحل عندما التقيا في منزل بعمان بعد خروجه من السجن وكان الشيك بقيمته الرقمية عن السنوات التي امضاها الجمعاني في سورية وكرواتب من المنظمة، مع اعتذار الرئيس له بأن "كل الأموال" لا تقدّر بنضال هذا الرفيق.
وتقول الرواية أن الجمعاني رفض المبلغ قائلاً ، لو كنت أنظر الى المال فقد كانت اموال الصاعقة تحت يدي، وانه تمنى على الرئيس عرفات بأن يكون هذا الشيك دعماً لـ"أطفال الحجارة" الذين دوّخوا الصهاينة في انتفاضتهم.
التقيته مرتين، الأولى ضمن صحافيين حضروا بعد خروجه بيومين وعندما حاولنا بعض الاستفسارات قال لنا " روحوا كلوا خبز .. إتركوا حكي الحصيدة وإنسوا السياسة..الأمة مقبلة على دمار والعراق بدايتها مع قناعتي بأن هذه الأمة لن تنتهي".
المرة الثانية، كنت والزميل إبراهيم القبيلات وكانت بمنزله المتواضع في مادبا وبمناسبة عيد الأضحى واقتصر الحديث عن العملية الانتخابية وهذه العملية يجب ان تكون بعيدة عن تقديم الخدمات ولأن مجلس النواب مجلس تشريعي، كما قال.
وللأمانة، فقد خرج ضافي الجمعاني من السجن بعد تلك السنوات المريرة ، فاكتفى بسيارة لادا لا يتعدى سعرها ثلاثة آلاف دينار ومن مال أبنائه ليقضي ما تبّقى من عمره في زراعة ارضه بمنطقة الهيدان ويا ثائر ما دخلتك ثروة.
رحم الله أبا موسى وأكرم نزله ..إنا لله وإنا اليه راجعون.