* بقلم: أ.د. عدنان المساعده
أبو نشأت مزارع طيب بوجهه الأسمر الذي لوحته أشعة الشمس يحرث الارض، ويزرعها لتنبت زيتونا وقمحا وشيحا وقيصوما وكرامة وكبرياء. أبو نشأت صاحب الهمة عشق الزراعة وأصبحت تسري بدمه ويعيش علاقة حميمة وصداقة عميقة مع تراب الأرض، ويقوم بعمل عظيم بسواعده القوية وهمته العالية وعرق جبينه، ويقول بفطرته الريفية النقيّة التي لم تلوثها متغيرات الحياة " أنا اقوم بما ’يمليه عليّ الواجب"، وإن كانت حاكورتي تزودّ أهلي وأبناء قريتي بما تنتج من زيتون وقمح وخضروات وفواكه فهي مصدر لأمني الغذائي، كما هي مصدر كرامتي.
كلام أبي نشأت المزارع الطيب والمثقف "أقوم بما ’يمليه عليّ الواجب" ’يذكرني بقصة طريفة في أحداثها عميقة في معانيها، والقصة تقول: نشب حريق في غابة تسكنها أنواع مختلفة من الحيوانات والطيور، فهرب الدب والعقرب والنعامة والغراب والفأر والحمار، وبقي الأسد والنمر والذئب والحصان والغزال والنسر والصقر والحمام الزاجل تقاوم الحريق، وكان طائر النورس يعشق هذه الغابة قد شاهد حادثة الحريق هذه، فما كان من هذا الطائر الجميل إلاّ أن أخذ يملأ الماء بمنقاره من أماكن بعيدة عن الغابة، ويأتي بها الى مكان الحريق محاولا اطفاء الحريق.
وكانت الحيوانات التي هربت من الغابة تراقب المشهد من بعيد، فأخذت تسخر من تصرف هذا الطائر وقالت أن عملك هذا كالذي يعصر الماء وكمن يرقص بالعتمة، فأجاب طائر النورس إجابة الواثق من نفسه وقال: إنني أقوم بما ’يمليه عليّ الواجب تجاه هذه الغابة بيتنا جميعا وسط تصفيق له من الأسد والنمر والذئب والحصان والغزال والنسر والصقر والحمام الزاجل، بعد أن أثمرت جميع الجهود المخلصة من اطفاء الحريق.
واجتمع حماة الغابة والحمام الزاجل يصور مشهد النصر لمحاكمة الحيوانات التي تنصلت من مسؤوليتها وخالفت قانون الغابة، وأصدرت حكمها أن تبقى هذه الحيوانات الغادرة والعبثية مطأطاة رؤوسها ذليلة صاغرة.
أعجبت هذه القصة أبو نشأت وعلق على ذلك بقوله: هذه القصة درس لكل واحد منا ليقدّر الواجب الملقى على كاهله، ويشارك في مجابهة الأزمات جنديا من جنود الوطن، كل من موقعه مهمّا صغر أو كبر، لأن الجهد القائم على التعاون وانكار الذات يحقق الأهداف والغايات.
وتساءل أبو نشأت المزارع الطيب لماذا الهروب من قبل بعض المقتدرين الذين قيدتهم الانانية وأسرهم حب الذات؟ ...وتساء باستنكار لماذا الهروب من المسؤولية تجاه وطنهم الذي لم يبخل على أحد بشيء، ولكن للأسف خذلوا الوطن وكانوا معاول هدم وتشكيك وخذلان؟، وأقول لهؤلاء الهاربين من مسؤوليتهم لدنيا يصيبونها تبا لأنانيتكم المقيتة وتبا لأموالكم التي تحرسونها، ولا تؤدون حقها تجاه وطن قدّم لكم كل شيء وكنتم ’تنظرون بكلامكم الذي ثبت انه سراب يتلوه سراب، وثبت أنكم تقولون ما لا تفعلون، وأنطبق عليكم قول الله تعالى " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام". نعم، هؤلاء الذين تقاعسوا بسبب الجشع والطمع وفساد قلوبهم وضمائرهم عن واجبهم تجاه وطنهم الذي يخوض حربا شرسة ضد فيروس كورونا، واقول لكم: يكفيكم عارا أنكم هربتم من واجبكم كما هرب الدب والعقرب والنعامة والغراب والفأر والحمار.
وبعد، صافحني ابو نشأت المزارع الطيب الذي تعيش الارض في وجدانه وضميره وقال أطمأن يا اخي، ولا تخف على بلد يقود سفينته جندي ملك مقدام نذر نفسه لهذا الوطن، ومعه رجال أشداء من جيشنا العربي المصطفوي وأجهزتنا الأمنية وكافة أجهزة دولتنا الراسخة وكل المخلصين من فسيفساء أبناء الوطن الواحد الموحّد، وأن هذا البلد سيخرج من هذه الأزمة بإذن الله وهو أشد عودا وأكثر صلابة لا يهزه اعصار أو ريح، وتلا قول الله تعالى "رب أجعل هذا البلد آمنا وأرزق أهله من الثمرات".
وحمى الله أردننا من كل سوء ودام جلالة الملك سيدا وقائدا وحفظ الله سمو ولي عهده الامين.
• عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الاردنية
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا