زمان ﻛﺎﻧﺖ الحياة بسيطة وجميلة ، كان يوم الخميس عطلة ، وﺣﻠﻮ ﺍﻟﻌﺮﺱ ﻳﻮﺯﻉ ﻓﻲ ﻛاسات ﺯﺟﺎج ، وكانت الميرمية ﺗﻮﺻﻒ ﻋﻼﺟﺎً لكل الأمراض ، ﻭﺍﻟﺒﻮﻁ ﺍﻟﺼﻴﻨﻲ حلم كل طفل .
كنا نصحو على صوت الديك ، وأجمل ألعابنا سيارة مصنوعة من الأسلاك، أو طابة من القماش ، وسبع حجار وصيد العصافير.
في الربيع كانت الناس تترك بيوتها وتخرج للصحراء مع أغنامهم لطلب الرزق ، وكانت السهرة والتعليلة على صوت الربابة والقصيد.
كان الفرح بالعرس والطهور يستمر أياماً، وكانت الدبكة والقربة كرنفالاً بالأعراس ، والعريس يلبس بدلة صديقه وحذاء صديقه الآخر، والجميع فرحون.
كان ثمن حبة البوظة قرشاً، وثمن السندويشة قرشين، وﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﻬﻨﺊ ﺃﻭ ﺗﻌﺰّﻱ ﺑﻜﻴﺲ ﺳﻜّﺮ ، والقرشلة فقط لزيارة المرضى.
كانت غرفة الجلوس هي غرفة النوم للجميع ، وهي غرفة الطعام والمطبخ أحياناً ، وكانت التدفئة صوبة البواري أو الحطب ، ﻭﺍﻷﻣﻬﺎﺕ ﻳُﺤﻤﻤّﻦ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﻓﻲ صحن الغسيل .
كانت سجادة الصلاة والمسبحة أجمل هدايا الحجاج للكبار ، والكاميرا وفرد النار للأطفال ، ورحلة الحج تستغرق شهوراً.
ﻟﻢ نكن نعلم ﺃﻧﻨﺎ ﻳﻮﻣﺎً ما سنركب الطائرات ونسافر حول العالم ، وأن هناك بلداناً أبعد من بلاد الاحلام مصر ولبنان ، وأننا سنتسوق من واشنطن ودبي ولندن وباريس .
لم نتخيل يوماً ان جهازاً على الكهرباء "المكيف" سيخرج لنا هواءً ساخناً وبارداً حسب الطلب.
ولم نتخيل أننا سنحمل ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ ﻓﻲ ﺟﻴﻮﺑﻨﺎ ، وبكبسة زر على الريموت نلف العالم عبر الستلايت ، ﻭﻟﻮ تكلمت ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻋﻦ الهاتف الخلوي والستلايت والإنترنت ﻻﻋﺘﺒﺮوك كافراً أو ساحراً ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺮﺟﻢ .
صحيح أن الحياة كانت أكثر فقراً وجوعاً ، إلا أن ﻣﺬﺍﻕ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺃطيب وأرواح الناس ﺃنقى وقلوبهم أطهر والحياة أجمل.