الفرق كبير جداً بين الاتكال على والتواكل على الله. فكثير من المسلمين يخطئون التفكير والاعتقاد بأنهم فقط بالدعاء وحده يستجيب الله لهم أدعيتهم وأمنياتهم. فعلينا أن نكرر ما كتبناه سابقاً وفي التكرار بعون الله الإفادة للجميع. كثير من المسلمين قالوا ويقولون وسيقولون في المستقبل إذا لم يتدبروا كلام الله جيداً في القرآن الكريم ولم يستوعبوا معاني الآيات وما ورد فيها من كلمات ذات معان تختلف من آية لأخرى وفق سياق الحديث في الآية.
وقد طلب منَّا الله بصريح العبارة أن نتدبر القرآن الكريم (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (النساء: 82))، ولكن في المقابل هناك كثير من الناس لا يريدون تدبر القرآن وقلوبهم مقفلة (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد: 24)). فتدبر القرآن وآياته مهم جداً لكل مسلمة ومسلم حتى يحسنوا التصرف في جميع أمور حياتهم وخصوصاً في أي ظروف صعبة يمرون بها من ابتلاءات ومصائب وأوبئة وغيرها.
وسيستمر أغلب المسلمين في قولهم: منذ سنين طويلة ونحن نصلى الجُمَعُ جماعات وتمتلئ المساجد بالمصلين ويدعو الإمام على اليهود والكفار والمشركين وأعداء الإسلام والمسلمين ونقول آمين ولكن لا تستجاب أدعيتنا وكأن الدعاء يرجع علينا ويزيد الله أعداء الإسلام والمسلمين عزاً وقوةً وتفوقاً وتحكماً في المسلمين والعرب ومقدراتهم، فنقول لهم نعم صحيح ما تقولون. لأن الدعاء له شروطه حتى يستجاب وقد ذكر الله شروطه في الأية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 186)). فهل نحن الذين ندعوا الله ونريد أن يستجيب لأدعيتنا اولاً: إستجبنا لأوامره ونواهيه وطبقناها عملياً في حياتنا اليومية وفي تعاملنا مع الآخرين؟.
وثانياً: هل بعد ذلك آمنا بالله حق الإيمان بحيث لا يتزعزع إيماننا بكل ماجاء في كتابه وسنة رسوله الصحيحة؟. ورابعاً: هل بعد ذلك أصبحنا من الراشدين أي نقتدي بالخلفاء الراشدين في تصرفاتنا؟. هذه هي شروط إستجابة الدعاء فكل إنسان أعلم بما في نفسه ويستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة بينه وبين نفسه بكل صدق وأمانة. ونتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي سأله: هل أترك ناقتي وأذهب للصلاة في المسجد، قال له عليه الصلاة والسلام: إعقلها وتوكل على الله. هكذا يجب أن يكون الأمر أن نعقل أمورنا كلها ثم بعد ذلك نتوكل على الله.
الدعاء هو مخ العبادة إذا توفرت شروطه كما أسلفنا وإلا فسوف لا يستجاب لنا لو دعونا الله إلى قيام الساعة. هذا يقودنا إلى موضوعنا الرئيسي وهو الإتكال على الله وهذا يكون بعد توفر إستجابة الدعاء لأن الإنسان كيف يتوكل على الله إذا لم يستجب له ويؤمن به حق الإيمان ويكون راشداً في تصرفاته مع نفسه ومع الأخرين، وبعد أن يبذل كل ما عنده من جهود للوصول لمبتغاه. فمثلاً بالنسبة لأي إبتلاء من الله أو أي إمتحان أو أي كارثة تقع علينا، فعلينا أن نأخذ الحيطة والحذر ونبذل قصارى جهودنا في دفع ذلك البلاء أو الكارثة عنا ونطلب من الله العون. وأما إذا لم نأخذ إحتياطاتنا ولم نبذل أي جهود تذكر نحو مبتغانا ونطلب من الله أن يوفقنا في الوصول إلى مبتغانا فيعتبر هذا تواكلاً على الله وليس إتكالاً على الله والفرق بينهما كبيرٌ جداً. فلو أخذنا على سبيل المثال وباء فيروس الكورونا فعلينا أولاً: أن نحافظ على النظافة والتي حثنا عليها الله في كتابة العزيز ورسوله في سنته الصحيحة، وثانيا: نأخذ كل وسائل الحيطة والحذر وبعد ذلك نسال الله وندعوه الدعاء الذي علمنا إياه رسولنا عليه الصلاة والسلام وهو: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ. وعلينا أن نأخذ دروس من بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا التي لم تكترث بأخذ الحيطة والحذر وتوعية مواطنيها بخطورة هذا الفيروس خوفاً على دخلها القومي من السياحة مما إضطرها فيما بعد أن تعلن عن إستفحال وباء الكورونا فيها وتغلق معظم مدنها إغلاقاً كاملاً، اللهم لا شماتة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فعلينا جميعاً في الأردن كمواطنين أن نلتزم بتعليمات الدولة والصادرة عن المسؤولين فيها ومنهم معالي وزير الصحة وغيره حول موضوع الكورونا ولا نهول الأمر ولا نبسطه بل نعطي هذا الأمر حجمه الذي يستحقة. وعلينا أن نبتعد كل البعد عن المجاملات في العلاقات الشخصية فلا سلام باليد ولا عناق ... إلخ وأن لا نسمح لأي مغرضين في نقل وتوزيع الإشاعات الهدامة والتي تلحق الضرر بالوطن ومقدراته. متمنيين لكل أهلنا في الأردن ولشعوب الدول الإسلامية والعربية والأجنبية إجتياز هذا الوباء بأقل خسائر ممكنة من الأرواح والأموال والإمكانات والجهود والوقت.