يؤشر مسؤولون من مواقع مختلفة على ظاهرة خطيرة تتعلق بالمناخ السلبي السائد في الأردن، إذ إن الاشاعات تنتشر، وقابلية التصديق مرتفعة
سمير الرفاعي رئيس الوزراء الأسبق، قال في تصريحات له قبل فترة قصيرة، ان وسائل التواصل الاجتماعي أنتجت نمورا من ورق يتنمرون من وراء الشاشات دون برهان، ويشنون حملات تستهدف كل شخص يحاول أن يطرح رأيا لا ترضى عنه عصب المتنمرين، لتنهال عليه الشتائم حتى يصمت
يخرج ايضا حسين هزاع المجالي، وزير الداخلية الأسبق ليقول أيضا عبر تغريدة له ان هناك قلة قليلة من الأردنيين، تبث السموم للنيل من معنويات الأردنيين، لاعنا وواصفا إياهم بالطابور الخامس، وقد سبق للمجالي أيضا ان أشار الى هذه الظاهرة، في مناسبات مختلفة، وهي الظاهرة التي تم الحديث عنها مرارا
القصة هنا ليست معاندة كلامهما، إذ إن تشخيص المشكلة صحيح لكنه يجب ان يخضع أولا لتحليل أسبابها، ومن هنا يمكن ان يقال ان كل التحذيرات التي قيلت على مدى اكثر من عشر سنوات لم يأبه لها أحد، ولم يتواضع احد لمعالجة ظاهرة تجريح الدولة، او الافراد، او مس سمعة الأشخاص والعائلات، والخصوصيات
لقد قيل مرارا ان الدولة تخسر مصداقيتها تدريجيا، بسبب تصرفات الحكومات، وبسبب أداء المسؤولين، وغياب الشفافية، وتفشي قصص الفساد التي تم الاعتراف بها رسميا، إضافة الى تلك الملتبسة او التي لم يتم حسمها، ووصل التكسير الى سمعة الافراد، وحياتهم وبيوتهم وخصوصياتهم
لم يأبه كثيرون للكلفة الكبيرة، وبات الخطاب السياسي والإعلامي، وهنا على وهن، بسبب سوء إدارة الموقف من جهة، وعدم الوصول الى الناس، والتلاعب أحيانا بالحقائق، ثم تكشف حقائق مغايرة، او مختلفة كليا، وهذا في الشأن العام، فيما امتدت الظاهرة الى الشأن الشخصي، وأخص خصوصيات الناس، ولم تعد هناك محرمات، او خطوط حمراء، فكل شيء قابل للكتابة، وكل شيء قابل للتصديق
في ظل ما سبق كان طبيعيا، ان تحدث طفرات على بنية المجتمع، فالذي لم يكن يصدق الاشاعات، بات يصدقها، والذي كان يعتبر ان هناك ظلما بحق المؤسسات او الأشخاص، تغير رأيه تدريجيا، مع تفشي الكراهية والنقمة الشخصية على الآخرين، فوق التراجعات في ظروف الحياة، التي تولد مناخا سلبيا ضاغطا جدا، خصوصا، مع طريقة إدارة الملفات، سواء ملفات الفساد، او أداء المسؤولين
اليوم، لا يصدق احد الرواية الرسمية، ولا حتى الشخصية، هذا هو الواقع، وقد حدث إحلال طبيعي لقوى بديلة، من حيث التأثير، سواء عبر الاعلام، او وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الاحلال، تتحمل مسؤوليته جهات عدة، ولم يعد صعبا عند احد رفع السقف في الشأن العام او الشخصي، والطاحونة لا ترحم أحدا
لو أردت الخروج اليوم، والكلام بإيجابية عن أي شأن اردني، لخرج في وجهك ألف شخص، وردوا الكلام عليك، ولو قلت لهم مثلا ان ألف اردني تم تشغيلهم لقالوا لك، ماذا عن ربع مليون شخص بلا عمل، ولو قلت لهم ان الحكومة، أي حكومة قررت صرف الكمامات الطبية مجانا، لخرج من يقول لك ان هناك منحة لهذه الكمامات، وتمت سرقتها، وصرف القليل منها، ولو نفيت إشاعة شخصية او عائلية، لخرج ألف شخص ليؤكد الاشاعة، دون دليل او برهان، فالجو العام بات سيئا للغاية ؟
معنى الكلام ان تشخيص الازمة، صحيح، لكنه لا يعترف بأسبابها، وهنا وبكل وضوح وصراحة، لا بد من الاعتراف ان الحكومات، والمسؤولين، ومن تولوا ملف الاعلام، ومن كان لهم مواقع مؤثرة، اختاروا ان يتركوا الساحة لقوة مؤثرة أخرى، بسبب ظروف مختلفة، والممارسات الخاطئة من جانبهم، فغابت المصداقية، ونشأت قوى بديلة مؤثرة، يصدق الناس كلامها سواء تناول شأنا عاما او شخصيا
ليس من حل لهذه الازمة، ازمة الثقة، الا إعادة مراجعة كل شيء، إدارة الدولة، شخوصها ومسؤوليها، سياساتها، وطي الملفات العالقة، والتحلي بالشفافية والصدق، فنحن امام ازمة تم تركها لتكبر، ولا كأن أحدا يهمه إلى أين يذهب الأردن وأهله؟!.(الغد)