27 % من رياديي العالم العربي هم من الأردنيين، وهؤلاء وغيرهم من فئات المجتمع المختلفة زودوا العالم الافتراضي بمنتجات وميزات متعددة. البنك الدولي أشاد بتفوق المملكة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشرات ابتكار المنتجات، واستيعاب التكنولوجيا، والمنافسة، ومهارات الشركات الناشئة، والدعم الثقافي، وهي إشادة يستحقها شبابنا الذين اشتغلوا جيدا على أنفسهم، وطوروا مهاراتهم، ما جعلهم مؤهلين للمكانة التي يحتلونها اليوم
التقدم في مجال ريادة الأعمال، والذي نسير فيه بخطى ثابتة، لا شك أن الأردن سيجني ثماره مستقبلا، خصوصا إذا ما حافظنا على وتيرة الدعم الذي تقدمه الحكومة في هذا المجال، والذي شدد عليه جلالة الملك مرارا وتكرارا
الاستثمار في الشباب بمجال ريادة الأعمال مهم جدا، فهم المستقبل، وهم من سوف يديرون الجوانب الاقتصادية في البلد بعد حوالي عقد من الزمن، لكن، وعلى أهمية هذا الجانب فإن الأمر لا يقتصر عليه فحسب، فالدولة تحتاج أيضا إلى جوانب أخرى، وعليها أن تلتفت إليها بشكل دقيق، لما لها من تأثير في المستقبل
يؤشر كثير من الخبراء والمهتمين إلى مسألة مهمة، وربما مؤرقة، وهي تعطل إنتاج النخب السياسية، وهو أمر لا يختلف عليه كثيرون. هذا التعطل أنتج فقرا شديدا في العقل السياسي الأردني، والحديث هنا عن فئة الشباب الذين لا يحظون بفرصة حقيقية للتنشئة السياسية الضرورية، خصوصا في الجامعات التي تراجع دورها كثيرا نتيجة عوامل عديدة، من أهمها كبح العمل السياسي والحزبي فيها خلال فترة طويلة من سيادة المفاهيم العرفية التي جرّمت مثل هذه التوجهات
العامل الآخر الحاسم في هذا السياق، هو ضعف الأحزاب الأردنية ومدى وجودها في المجتمعات المحلية، إضافة إلى عدم تمكنها من صياغة برامج سياسية واجتماعية حقيقية، بل اكتفت بـ الكلاشيهات السياسية، والمقولات على حساب العمل في الميدان، ومع الفئات الاجتماعية المختلفة، ما جعلها ضعيفة التأثير والوجود
هذه النقطة بالذات، مسؤولية مشتركة بين الأحزاب وبين الدولة، فالدولة أيضا لم تقدم مساهمات حقيقية في تقدم الحياة الحزبية، حتى أن البعض يتهمها بوضع العصي في الدواليب، ومحاولة عرقلة تكريس حياة حزبية صحية، ما أبقى الأحزاب المحلية في الظل، وبعيدة عن أوجه التأثير
اليوم، لا نجد مؤسسات معنية بالفعل بتنمية الجوانب السياسية لدى الشباب، فباتت ثقافتهم السياسية ضعيفة، وهو الأمر الذي يؤثر كثيرا على مفاهيم مهمة؛ خصوصا المواطنة والانتماء والصالح العام، وهي مفاهيم يمكن أن يعرقل غيابها كل تنمية مستهدفة
إن أردنا معرفة مدى الفراغ الذي يعيش فيه الجيل الجديد من الأردنيين، فيكفي أن ننظر إلى الأبناء، وسنجدهم حبيسي هواتفهم، والتطبيقات التي لا توفر المعرفة بقدر توفيرها الترفيه والتسلية، بينما معظم ما يمكن أن يوفر المعرفة والتعلم والتحليل، هي ليست مثار اهتمامهم، ما أسهم في تعميق غربتهم عن القضايا الوطنية الجوهرية، لذلك فهذا النموذج لن يسهم في أي إضافة حقيقية لمستقبل البلد، كما لن يتمكن من الإسهام في تجاوز التحديات التي تواجهنا؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، ما دام يدفن رأسه في الرمال، ويعزف عن التثقيف الوطني والسياسي
مظاهر الضعف بادية بوضوح لدى الجيل الجديد، فهو غير قادر على إقامة حوار قصير حول أي موضوع، وجل معرفته متأتية من مواقع التواصل الاجتماعي، وهو غير قادر على تصنيف صدقيتها. هذا الجيل لا يقوى على كتابة موضوع إنشاء في مدرسته، وكلما طلب منه ذلك يتكئ على العم غوغل ، وينسخ ما يجود به عليه
الأمر وصل حدودا خطيرة، وعلاجه يقع على عاتق الدولة التي ينبغي لها أن تصمم استراتيجيات حقيقية لنقل شبابنا ويافعينا إلى مستوى لائق من الوعي السياسي، وليس مجرد استراتيجيات تكتب من أجل أن توضع على الأرفف!.(الغد)