بقلم: محمد حسن التل
لقد مارس الشهيد وصفي التل ولايته كرئيس للوزراء حسب الدستور، وكان يهتم بمباشرة تفاصيل الحكم الصغيرة بنفس اهتمامه بالقضايا الكبرى، وعاش مع الأردنيين في مدنهم وقراهم وباديتهم ومخيماتهم.. آلاف القصص يرويها التاريخ الأردني وترويها ذاكرة آلاف المواطنين، تتحدث عن علاقتهم الإنسانية بالشهيد مما جعله ينغرس في قلوبهم حبًا ووفاءً.
عندما يأتيك من يتحدث عن تاريخ وصفي، محاولًا الغمز أو التقليل من شأن هذه القامة الوطنية والقومية، يواجه بعاصفة قوية من الأردنيين، وبالرفض والاستنكار والاستهجان؛ لأن وصفي عصيٌّ على كل محاولات النيل من تاريخه الذي لا يزال الأردنيون يروونه جيلًا بعد جيل. لقد مضى على رحيل الرجل نصف قرن، وما زالت الجماهير متعلقة بذكراه، وعبقرية ذكراه تبرز عندما تتعلق به الأجيال التي لم تره، بل قرأت وسمعت عنه، فأحبته بل وأخلصت لذكراه.
ليس من المعيب أن يكون وصفي قد عمل واجتهد على أن يكون الأردن قاعدة انطلاق نحو التحرير، بل وأرض حشد ورباط؛ فهو في ذلك خاطب الحقيقة الإلهية الأزلية التي تقول بأن انطلاق مسيرة التحرير سيكون على هذه الأرض المباركة، وبذلك تنبأ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله ( أنتم شرقي النهر وهم غربيه). وليس من النقيصة بشيء أن يكون رئيس الوزراء وزير الدفاع قد غادر إلى القاهرة دون أن يعلم أحد بماهية خطابه في اجتماع وزراء الدفاع العرب سوى الملك الحسين، فوصفي كان رئيسًا للوزراء حسب الدستور، ولم يكن مدير إدارة ولا رئيس بلدية، ومن الطبيعي ألا يطلع صغار موظفيه على ما في رأسه.
لقد مضى وصفي إلى منيته في القاهرة وهو يدرك أن المؤامرة ستلاحقه إلى هناك، ولكنه أبى إلا أن يذهب لأنه كان يحمل الأردن وفلسطين في عقله وقلبه، وكان يريد ألا تؤثر الخلافات العربية على مسيرة المقاومة والتحرير، ولم يكن يفكر يومًا بتأسيس شركات وجمع الملايين، فقد كان مشروعًا قوميًا ووطنيًا منذورًا لأمته.
سيظل وصفي صفحة ناصعة في قلوب وعقول الأردنيين وكل أحرار العرب، لقد عمّد وصفي التل مسيرته بدمائه ولم يلوثها بحسابات بنكية أو مشاريع على حساب لقمة الفقراء، عاش لوطنه وأمته ومات من أجلهما. ولم يكن يومًا ليقلي بالًا لحسابات الصغار، بل ظل كبيرًا وختم حياته كبيرًا.