الرسالة الأخيرة

بثينة القواسمة

إليكِ سيدتي، صاحبة القلبِ الملتهب، والعينين المحترقتين، والشفاه المرتجفة عند إلتفات الجميع، إليك يا جبلاً يقف أمام الجميع بشموخ، يا منارتي وقت الضياع، يا رسائلي المتمزقة في معطفي القديم، يا تعاستي المختبأة في أحد أدراجي، يا عنفواني المتشبث يأزرار قميصي، يا عنوان الماضي، وجفاء الآتي، يا قشتي التي طالما تعلقت بها، إليكِ يا غريبة قلبي الآن وفقيدة تلك الروح المعلقة داخلي، إليكِ يا امرأةً زرعت في جوفي حزناً و جرحاً و ندماً و بكاء، يا امرأةً حفرت على جدران قلبي بقلم متفحم فبقيت كلماتكِ لعنة تلاحقني إلى يومي هذا!

إني وبكل اشمئزاز مني ومن عقلي أقول: إن حباً كهذا كبير عليّ، و أن أنثى مثلك لا يحتويها سوى ضلوع قوية لا أستطيع أنا احتواءها، و أن شوقاً كشوقكِ الجامح لا يمكن أن يتسع داخلي الضئيل، و أن دعاءًا كدعاء روحك لا يمكن أن يُقبل لرجل مثلي، أسود القلب، قليل الرحمة، فاقدٌ للسكينة.

كيف لقلبكِ أن يحب شخصاً هكذا إلى اليوم، زار جميع النساء، و انتابه الفضول حولهن، و التفت إلى احداهن وهو يقف بجانبك، كيف لعقلك أن يفكر بشخص أبله يعاملكِ كابن عاق، وأخ ليس بسند وأبٍ بعثه الله لك ابتلاء! كيف لكِ أن تقفي في المنتصف بيني و بينك، أن تحتاري في الاختيار! أن تبكي من شدة الضياع، و تحترق داخلكِ الأيام!

إنني اليوم لا أنظر إليكِ حتى فأنت تزدادين غرابةً، لم أعد أفهم في عينيكِ شيئاً لم أعد أقدر على تحليل شيفراتك القديمة يبدو و أنك قد قمتِ بتغيير جذري، أعرف أنني لا شيء الآن ولا شيء غداً وأعي تماماً أنكِ لن تعودي و أن أيام ضعفكِ قد ولت، أعي تماماً أن خسارتي عظيمة و أن الأيام ستجلب لي المزيد من النساء و لكن لن تجلب لي امرأة كبيرة و قوية مثلك، امرأة رأيت فيها نفسي، أعي تماماً أن ابنتي لن تشبهكِ، وأن ذلك الاسم الذي احببناه لن يكون من نصيبها لأني أخشى عليها من أن تتورث جموحكِ عن بعد، أخشى أن لا يمكن لقلبي أن يخبأها!

هذه الرسالة لتعلمي سيدتي أن هذه الليلة آخر ليالي الانتظار، كفي عن النحيب بصمت، و أجمعي ما تبقى مني في ثناياكِ و ألقيه في غيابة الجب، و اخلدي إلى نومكِ باكراً فلقد أرهق قلبكِ السهر.