أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

حازم القرطاجني.. تاريخ في قصيدة

مدار الساعة,أخبار ثقافية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتب أحمد تمام: تعد قرطاجنة من أقدم ثغور إسبانيا الشرقية، أنشأها “هزدرويال” القائد القرطاجني المعروف سنه (243 ق.م)، وتمتاز بمناعة موقعها البري والبحري، وهي تقع جنوب مرسية على شاطئ البحر المتوسط، وظلت تتمتع بأهمية تجارية وبحرية في ظل الوجود الإسلامي بإسبانيا، وكانت مركزًا من مراكز الجهاد والغزو، تخرج منها الحملات الحربية، وبقيت تحت حكم المسلمين حتى سقطت نهائيًا في أيدي “خايمي الأول” ملك أراجون سنة (675هـ = 1276م) ولأن أكثر من مدينة سميت بقرطاجنة، فقد حرص العلماء على تسمية هذه المدينة بقرطاجنة الأندلس؛ تمييزًا عن أختها التي توجد بتونس.

وكان أبو زكريا الحفصي محبًا للعلم مقدرًا العلماء، يدعوهم إلى دولته للإقامة بها ويحيطهم برعايته؛ فقدم إليه كثير من العلماء والشعراء الأندلسيين من أمثال ابن الأبار، وابن سيد الناس، وابن عصفور النحوي المعروف، وابن الرومية عالم النبات، وابن سعيد الأندلسي وغيرهم.

وبلغ من حب أبي زكريا الحفصي للأدباء والشعراء أن جعل لهم بيتًا يقيمون به، ويجدون فيه كل وسائل الراحة، ولما توفِّي أبو زكريا الحفصي خلفه ابنه “أبو عبد الله محمد المستنصر”، وكان على شاكلة أبيه في احترام العلماء والأدباء وتقديرهم، ولهذا وجد حازم القرطاجني في ظل حكمه كل عناية وتقدير، وكان المستنصر يثق به وبذوقه الأدبي، فكان يدفع إليه ببعض المؤلفات ليرى فيها رأيه ويقرر مستواها العلمي.

وأهم قصائده مقصورته التي مدح بها المستنصر، والمقصورة هي قصيدة طويلة تأتي على روي الألف المقصورة، وقد بلغت مقصورة حازم القرطاجني ألف بيت وستة، وقدّم لها بمقدمة نثرية أثنى فيها على الخليفة المستنصر، ثم حدد ما اشتملت عليه مقصورته من أغراض وفنون، مثل: المديح والغزل والحكمة والمثل، والوصف، وقد استهلها بالغزل منشدًا:

ولو سما خليفة الله لها

لافتلّها بالسيف منهم وافتدى

ففي ضمان سعده من فتحها

دين على طرف العوالي يقتضى

فقد أشادت ألسن الحال به

حي على استفتاحها حي على

وتعد مقصورة حازم إلى جانب قيمتها الفنية، وثيقة مهمة تتضمن كثيرًا من الحقائق التاريخية عن الدولة الحفصية، وتشمل على تفصيلات تاريخية وجغرافية تتصل بالواقع الذي عاصره الشاعر في المغرب والأندلس، وقد كافأه الخليفة الحفصي المستنصر بألف دينار من الذهب.

وقد حظيت المقصورة بتقدير الأدباء والنقاد، ونالت شهرة واسعة في حياة صاحبها وبعد وفاته، وقام بشرحها عدد من العلماء، ومن أشهر تلك الشروح: “رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة”، وقد طبع هذا الشرح في سنة (1344 = 1925م) بالقاهرة.

وقد مزج حازم في كتابه بين قواعد النقد الأدبي والبلاغة عند العرب، وقواعدهما عند اليونان، فقد عقد فصلاً طويلاً عن نظرية أرسطو في الشعر والبلاغة، معتمدًا على تلخيص ابن سينا لكتاب أرسطو في الشعر، الذي ضمنه الفن التاسع من كتابه “الشفاء”، وهذه هي المرة الأولى التي يعرض فيها أحد علماء البلاغة من غير الفلاسفة لنظريات أرسطو في البلاغة والشعر، والإفادة منها في فهم وبصيرة.

وقد نشر الكتاب محمد الحبيب بن الخوجة وحققه تحقيقًا علميًا، وقدم له بمدخل علمي تناول فيه حياة حازم، وتناول كتابه بالتحليل، وأبان عن قيمته بين كتب البلاغة العربية.

ولحازم القرطاجني كتب أخرى فُقد معظمها، مثل: “التجنيس” و”القوافي”، ومنظومة نحوية تعليمية.

ونشر عثمان الكعاك ديوانه في بيروت سنة (1384هـ= 1964م)، ثم استدرك محمد الحبيب بن الخوجة على الديوان، فنشر عدة قصائد أخرى لم ترد في ديوان حازم بعنوان قصائد ومقطعات سنة (1392هـ = 1972م).

وفاته

ظل حازم القرطاجني في تونس ولم يغادرها، محاطًا بكل عناية وتقدير من حكام الدولة الحفصية، موزعًا وقته بين العمل في الديوان وعقد حلقات العلم لتلاميذه، حتى تُوفِّي في ليلة السبت (24 من رمضان 684هـ = 23 من نوفمبر 1285م).

مدار الساعة ـ