نعاني من الانفصام، وليس أدل على ذلك، من ان المساجد يوم الجمعة تفيض بمن فيها، وبمن ترتسم التقوى المؤقتة على وجوههم، الا من رحم ربي، وهم ذاتهم وفي اغلبهم الذين يتسببون بأزمتنا الأخلاقية، من سرقة ارث الأخت، وصولا الى إيذاء الجار، واذا كان كل هؤلاء اتقياء حقا، فمن اين جاء الأشرار بقية أيام الاسبوع، وأين هم؟
تذكرت الغضبة الشعبية قبل أشهر المنددة بفيلم جن الذي تم تصويره في مدينة البترا ، واحتجاج الناس، على مشهد تقبيل الشاب للفتاة في الفلم، والمجتمع الذي يرفع راية الاخلاق والقيم والدين والحلال والحرام، ويندد بالفيلم في البترا، هو ذاته الذي يستبيح لاحقا، حرمات الناس، واعراضهم، ولا يستر أحدا، بل يستمتع بفضح شاب وفتاة، قرب احدى الجامعات، كانا في وضع مخل أخلاقيا، وتم تصويرهما من فاعل خير
لمست وغيري، كيف تم توزيع الفيديو بواسطة واتس اب، او وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تم توزيعه مئات آلاف المرات، وقد وصلني من ثلاث دول عربية، فوق ان الدخول الى محرك البحث جوجل يثبت انه كان الأكثر بحثا من جانبنا في الاردن، فكيف يستقيم الامران معا، وأين هي قيمة الدين والأخلاق في القصة؟!
لقد هالني كثيرا قدرة الشاب والفتاة على ارتكاب هذا الفعل الفاضح قرب سيارة في شارع عام، لكن الادهى والامر كان وجود شخص يقوم بتصوير الفعلة، والأكثر سوءا كان عدم ستره عليهما، بل تعمد تسريب الفيديو، دون أي حسبة، لنتائج هذه الفعلة، التي قد تؤدي الى هدر دم الشاب والفتاة، فوق إشاعة الفساد بهذه الطريقة، وتزيينها في عيون الناس، ولحق هذه الكارثة، قيام مئات الآلاف بتناقل الفيديو، دون ان يفكر احد بنتائج هذا الامر
هناك مقولة شهيرة لأبي بكر الصديق، يضعفها بعض علماء الإسلام، وان كانوا يقبلون مضمونها اذ يقول لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن استره به وكلامه لا يمنح المخطئ رخصة للخطأ، لكنه يقرأ بعمق أهمية عدم فضح الناس، فوق ان اخذ الحق العام من المخطئ، يخضع لقواعد أخلاقية وقانونية، وليس بهذه الطريقة
المؤلم جدا هنا ان حالة الانفصام تتواصل وتتجلى بمظاهر كثيرة، فكما قلت يأتيك المجتمع ليثور على مشهد في فيلم يعتبره مهينا للبلد، ولقيمه الأخلاقية والدينية، وبعد أشهر يأتي ذات المجتمع ليتبادل فيديو لشاب وفتاة، ويهتك سمعتهما، ويعرضهما واهلهما لتدمير اجتماعي كبير، قد يؤدي الى قتلهما، لكن لا احد يسأل عن مسؤولية الذي التقط الفيديو، ولا مسؤولية الذي وزع الفيديو، دون ان نبرئ هنا الشاب والفتاة، من الخطأ الفادح، وبحيث كانا السبب المباشر في تعريض نفسهما لهذا الوضع الفاضح؟
كيف يمكن لنا ان نتخلص من حالة الانفصام، والذي يقرأ صفحات التواصل الاجتماعي، يوم الجمعة يظن اننا في مكة المكرمة زمن الخلافة الإسلامية الاولى، من حيث نشر الأحاديث النبوية والمواعظ والصلاة على النبي، كون اليوم يوم جمعة، وفي بقية الأسبوع، تظن انك في مجتمع قريش قبل الإسلام، ولو نطق الماسنجر، لقال لنا، ان ما بداخله مختلف تماما، عما نكتبه على صفحاتنا؟!
هي ذات القيم الأخلاقية الغائبة، حين نغرق من كثرة تنظير الآخرين، والحديث عن القيم والدين والأخلاق، فنحن مجتمع ألسن فقط، فتقرأ عن عشرات آلاف حالات السرقة للمياه والكهرباء، وغش زيت الزيتون، وقبض الرشاوى الصغيرة والكبيرة، ورمي النفايات في الشوارع، وقطع شجر الغابات، وضرب الزوجات، وسرقة ارث الاخوات، وعدم سداد حقوق الناس، وعقوق الوالدين، وارتفاع نسب تعاطي المخدرات وتوزيعها، وانتشار الربا، والميكانيكي يسرق قطع سيارتك، والكهرباء يزيد اعطالها، وعامل النفايات يريد اكرامية والا ترك حاوية الحي، والعداد مفتوح يمكن لأي واحد فيكم، ان يضيف عليه ما يريد
المعيار الأخلاقي واحد لا يتجزأ، ولا يصح ان تكون قلوبنا قلوب ضباع كاسرة، ووجوهنا وجوه حملان بيضاء بريئة، وقد باتت كل القصة مكشوفة، لا يغطيها الفخر الزائف
الغد