صفق الكثيرون لقرار مدير الأمن العام بوقف العمل بمخالفات السير الغيابية، واستقبل القرار بترحيب شعبي على نطاق واسع
ليس غريبا رد الفعل هذا، فمعظمنا يفضل ارتكاب المخالفة ويغضب إذا ما خالفه رقيب السير. وحين يصادف أحدنا رجل سير يغض الطرف عن مخالفة نرتكبها كالسرعة الزائدة أو استخدام الهاتف أثناء القيادة، نكيل له المديح في مجالسنا، ونتفاخر بنجاتنا من المخالفة بفضل شهامة الشرطي
وأطيب خبر على قلوبنا هو شمول مخالفات السير بالعفو العام عند صدوره، وسعينا الدائم لإيجاد شخص نافذ يساعدنا في شطب مخالفاتنا من الكمبيوتر نهائيا
بهذا المعنى، فإن الترحيب بقرار الأمن العام مبرر ومفهوم في السياق الثقافي الأردني، الذي يمقت سلطة القانون، في تناقض صارخ مع شكوى من غيابه، وتذمر من تطبيقه عندما يتصل الأمر بمصالحنا الشخصية
الحقيقة أننا لم نفهم قرار مدير الأمن العام، ولم نجد مسؤولا في دائرة السير يخرج للرأي العام ليشرح ويفسر معنى وقف المخالفات الغيابية، فالأسئلة بهذا الصدد كثيرة بلا إجابات.على سبيل المثال هل يتعين على رقيب السير أن يمتنع عن مخالفة مركبة تركها صاحبها في موقع لا يسمح الاصطفاف فيه؟ وهل عليه أن ينتظر ساعات لحين عودة سائقها لتحرير مخالفة؟
ماذا عن مخالفات الرادار، أليست غيابية ومثلها استخدام الهاتف أثناء القيادة؟
معظم المخالفات غيابية؛ الاصطفاف المزدوج، الوقوف في مكان ممنوع الوقوف فيه، إغلاق مداخل الكراجات الخاصة والمباني العامة. كثيرون يرتكبون هذه المخالفات ويتركون مركباتهم في وضع مخالف ليمضوا ساعات في إنجاز أعمالهم، فهل يتعين على الشرطي الجلوس في انتظارهم أم تحرير المخالفة ما دامت قائمة ومتحققة؟
هناك دون شك مخالفات غيابية تحرر بطريقة خاطئة، فتسجل على حساب سيارة لم يرتكب سائقها المخالفة، لكن هذه حالات استثنائية، تحدث في سائر الدنيا، ولا يمكن القياس عليها. ومن تجربتي الخاصة لا أذكر أن مخالفة غيابية سجلت بحقي وكانت في غير محلها. نحن في أغلب الحالات نرتكب المخالفات، لكننا نميل بطبعنا إلى الإنكار وتحميل المسؤولية على رجل السير لنفلت من العقوبة والغرامة المالية. ولغاية يومنا هذا أجد من يمد يد المساعدة على حساب القانون لشطب المخالفات متبجحا بعلاقاته الوثيقة مع أصحاب الشأن
أخشى أن قرار مدير الأمن بوقف المخالفات الغيابية، بمثابة تشجيع للسائقين على ارتكاب مخالفات لا يمكن ضبطها بحجة عدم تواجد السائق أثناء ارتكاب المخالفة، أو وقوعها أثناء قيادة المركبة دون أن يتمكن رقيب السير أو دورية الشرطة من وقف المركبة وتحرير المخالفة وجاهيا للسائق
إن شكوى بضعة سائقين من تحرير مخالفات غيابية بحقهم دون وجه حق، لا تستدعي التنازل عن القانون، بل فتح تحقيق بكل مخالفة وحدها وتصويب الخطأ إذا ماثبت حدوثه، بطريقة غير مقصودة غالبا من قبل رجل السير
في مدن كبرى كعمان لا يمكن لإدارة السير أن تخصص شرطيا لكل سيارة، يجلس في انتظار تشريف السائق المخالف لتبليغه بمخالفته
بصراحة قرار مدير الأمن غير مفهوم ويحتاج لشرح يبدد غموضه، حتى لا يصنف في دائرة البحث عن الشعبية على حساب سلطة القانون
الغد