استكمالاً لما جاء في الجزء الأول من مقالتي السابقة والتي ناقشت الآية رقم 23 من سورة يوسف، نتابع في هذه المقالة أحداث الآية (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (يوسف: 24)). فعندما رفض سيدنا يوسف الإنصياع لمغريات وطلب السيدة زليخة في مواقعتها مخافة من الله رب العالمين وحفاظاً على شرف من أحسن في رعايته وتربيته وهو العزيز. لقد أعمت الرغبة الغريزية الجامحة والشديدة والمتعطشة للجنس (ربما لأسباب لا أريد الخوض فيها) لدى إمرأة العزيز قلبها وعينيها ونسيت من هي ومن هو سيدنا يوسف (إسمحوا لي أن أقول لكم وبكل صدق أن غريزة الجنس بحاجة إلى إشباع أكثر بكثير من أي غريزة أخرى مثل الطعام مثلاً وكم مهم الطعام للإنسان وغيره من مخلوقات الله). والذي يقول غير ذلك فإما يكون غير سوياً جنسياً أو غير صادقاً مع نفسه ولولا هذه الغريزة لما تكاثر بني آدم وكل المخلوقات الأخرى وملأت العالم حتى يومنا الحاضر وسيستمر التكاثر حتى يرث الله الأرض وما عليها. وكما كتبت في مقالة لي سابقة أن الله خلق الإنسان من عقل وغريزة فإذا طغى عقل الإنسان على غريزته أصبح في تصرفاته ملاكاً ولكن إذا طغت الغريزة على العقل عند الإنسان أصبح الإنسان في تصرفاته حيواناً ولهذا تسمى غريزة حيوانية.
ولمَّا حاولت السيدة زليخا محاولات عديدة سابقة بالترغيب والإغراء مرَّات وبالترهيب مرات أخرى وراودته وأخذت تتحين الفرص أكثر من مرة، والتي لطالما إنتظرت هذه الفرصة وهذه اللحظات منذ سنين وبعد مراودات ومطاردات عديدة كما أسلفنا في مقالة الجزء الأول. وعندما رفض يوسف الإنصياع لطلبها وتوسلها له بإشباع رغبتها الجنسية الجامحة أدى ذلك إلى فقدانها لسيطرتها على نفسها وعقلها وتصرفت كالحيوان (إسمحوا لي بهذا التعبير) وقامت وجذبته لنفسها بقوة لتلبية حاجتها الجنسية منه بالقوة ورغماً عنه. وهنا جاء دور الشيطان اللعين وحرَّك الغريزة عند يوسف من المشهد المغري جداً الذي أمامه وكغيره من الذكور قبل أن يبعث نبياً، لا نستطيع أن ننكر عليه سن المراهقة الذي يمر فيه والرغبة الجنسية الشديدة عنده ولربما أشفقته عليها بتوسلها له بطريقة لا يعلمها إلا الله وحده. فحاول الإنصياع ولو لثوانٍ إلا أن الله سبحانه وتعالى أراه برهانه (شيئاً منعه من الوقوع في الفاحشة، ويقال أنه رأى والده سيدنا يعقوب عليه السلام فوكزه بعصاه في صدره فأذهب عنه إثارته الجنسية وهناك روايات أخرى لا يعلم صدقها إلا الله) فأعاده إلى صوابه وأبعدها عنه بلطف وإبتعد عنها. وأما رواية أنها ضربته وضربها ... إلخ فغير مقنعة لأن الموقف رومانسي أولاً، وثانياً لا يمكن ليوسف أن تمتد يده على من ربته ورعته حتى أصبح شاباً. ولو حدث ذلك لكان أثار الضرب واضحاً على جسدها وجسده عندما إنكشف أمرهما فيما بعد وطلبت الشهاده وشهد شاهدٌ من أهلها.
والدليل على منطق ما نقول في ما حدث بينهما هو تكملة الآية ( ... كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)، والسوء يعني أي تصرف خاطيء يلحق الضرر بسيدنا يوسف والفحشاء هي وقوعه في فاحشة الزنا كما هو واضح في الآية (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (النساء: 22))، والآية (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (الإسراء: 32)). وكما نصت الآية أن الله جعله من عباده المخلصين الذين لا يستطيع الشيطان على إغوائهم، فنسأل الله أن نكون نحن ونساؤنا وبناتنا وأولادنا من عباد الله المخلصين. وننصح الشابات والشباب بالمحافظة على أخلاقهم ومبادئهم السامية والعمل على الزواج المبكر لتلبية وإشباع رغباتهم الجنسية والطبيعية بطرق سليمة وصحية ووفق ما يأمرنا به ديننا الحنيف من أجل بناء أسر تكون لبنات قوية في بناء نسيج مجتمعي إسلامي قوي وسليم.