بقلم: أ.د. عدنان المساعده
أن ينتهج المسؤول الزيارات الميدانية باستمرار للاطلاع عن كثب على واقع مؤسساتنا يعتبر نهجا اكثر نجاعة لتصويب الخلل هنا أوهناك، ولوضع تصور حقيقي يتم البناء عليه في اتخاذ القرارات الصائبة التي تصب في صالح مؤسساتنا ومنها المؤسسات التعليمية والتربوية نظرا لأهميتها وانعكاسات مخرجاتها على كل مسارات النهضة والتنمية في أردننا الغالي.
نتابع نهجا جديدا ومتمّيزا منطلقا من الخبرة العميقة والدراسة المتأنية لمعالي وزير التربية والتعليم والبحث العلمي الدكتور محيي الدين توق الاستاذ الجامعي المرموق الذي يمتلك خبرات محلية وعالمية واسعة يرافقها السيرة النظيفة والمخلصة، فنهج معالي الوزير منذ تسلمه وزارة التعليم العالي يسير بالاتجاه الصحيح، حيث أكدّ على ضرورة وأهمية استقلالية الجامعات والاستقرار الاداري للإدارات الجامعية وحفظ هيبتها، وهو بذلك أماط اللثام عن كل التكهنات التي تدور في الأوساط الأكاديمية على تغيير معظم ادارات الجامعات ومجالس الأمناء فيها، وأرى أن ذلك يصب في صالح الجامعات، لكي تتمكن الادارات الجامعية من تنفيذ رؤيتها واستراتيجيتها.
وكذلك فان قرار مجلس التعليم العالي في التركيز على التعليم المهني التقني بزيادة نسبة مقاعد طلبة الجامعات مستقبلا يشكل رؤية صحيحة نصب ضمن مفهوم التنمية الشمولي، سيمّا وأن كثيرا من التخصصات أصبحت فوق الاشباع، وممّا زاد الأمر تفاقما معدلات نتائج امتحان الثانوية العامة للعام الماضي غير المسبوقة منذ تاريخ انعقاد هذا الامتحان في المملكة، حيث ترتب على ذلك قبول للطلبة في كافة التخصصات ومنها تخصصات الطب وطب الاسنان والصيدلة التي فاقت قدرة جامعاتنا الاردنية من حيث بنيتها التحتية والفوقية على حد سواء، وقد سبق لي أن كتابة مقالا تحليليا للنتائج تضمن مقارنة مع تلك النتائج في عدد من دول الإقليم، الأمر الذي سيزيد من نسب البطالة بين هذه التخصصات المشبعة أصلا والتي كانت على حساب التعليم المهني والتقني الذي يعتبر أولوية هامة في بلدنا من أجل زيادة النمو مستقبلا وتوفير فرص العمل لأبنائنا الخريجين مستقبلا.
ومن خلال هذه الزيارات الميدانية، أعتقد أن معالي الوزير يقرأ ما بين السطور ويتابع بدراسة متأنية ورؤية لواقع التعليم في جامعاتنا ومعالجة أي تشوه موجود، والتقليل من الأخطاء ما أمكن، لأن مخرجات التعليم محور أساسي من محاور التنمية والنهضة، وهنا أشير الى ضرورة التنسيق ما بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي في توجيه ابنائنا الطلية نحو التعليم التقني، وضبط سياسة القبول في الجامعات ووضعها على السكة الصحيحة التي تخدم مستقبل التنمية في بلدنا لنساهم ضمن مؤشرات قابلة للقياس، ومراعاة الواقع الحقيقي وتوجيه بوصلة التعليم العام والتعليم العالي في الاتجاه الذي يركز على التعليم النوعي، وأن يأخذ التعليم مسارا عموديا متخصصا، وأن يتم ضبط التوسع الأفقي ما أمكن.
نعم، ان العمل الميداني يكون أكثر تشخيصا لواقع التعليم العالي في جامعاتنا التي تعاني من أزمات مالية، وإلى أمور وقضايا كثيرة بحاجة إلى إعادة ترتيب ضمن منهجية علمية تدعمها الإرادة القوية والعزيمة التي لا تعرف الكلل او الملل، والتفاني في العمل اداريا واكاديميا لننهض، ونامل أن يتم نسخ هذا النهج الميداني المفيد وتطبيقه على كافة المؤسسات وقطاعاتها المتعددة لنضع النقاط فوق الحروف ولتسير الأمور في نصابها الصحيح، وبوركت الجهود الصادقة التي تعمل للوطن وللأجيال، ودام أردننا الغالي ينشد النهضة والتقدم، ودام جلالة الملك سيدا وقائدا، وحفظ الله سمو ولي العهد الأمين.