تطرح هذه المؤشرات الرقمية المهمة سؤالاً وجيهاً هو أين ستأخذنا السوشيال ميديا في المستقبل؟ وما هي خياراتنا أمام الفوضى التي تسيطر على مواقع التواصل؟ وإلى أي مدى ستستمر في ضرب منظومة القيم والضوابط الأخلاقية التي توافق عليها المجتمع منذ زمن بعيد كمرجعية لسلوك الناس فيما بينهم. هناك أزمة حقيقية تواجهها الدول التي أرادت تجريم هذا الأمر بالقانون فكانت النتائج مزيداً من الفوضى والتحدي والانتشار الأسرع
في الظروف الطبيعية الأصل ألا تصبح أحاديث تلك المنصات هي الرواية السائدة والمسيطرة والقابلة للتصديق بالرغم من أن جزءاً كبيراً منها ينطلق من رغائبية جامحة في الشهرة وربما الابتزاز حتى لو كانت الغاية نبيلة وهي التأشير على الفساد ولكن التوظيف السلبي واغتيال كرامات الناس وسمعتهم هو الذي تسيد المشهد وكانت نتائجه عكسية للأسف، مزيداً من التناحر والكراهية دون إنجاز جوهري سوى الانفلات في حرية التعبير وكأن الهدف هو مجرد الشعور بأنك قادر على قول أي شيء في أسوأ صيغه لتعريف الحرية
هذا الواقع الذي لا نستطيع القفز عليه وإنكاره ساهم في صنع طوفان من النجوم والمؤثرين الفاعلين اليوم بمعزل عن مهنية وعلمية ما يطرح منهم، لكنهم واقع استقر في قناعات الكثير من الناس خاصة عندما تسود حالة الإحباط وفقدان الأمل بفعل تردي الأحوال المعيشية، بل إن بعض هؤلاء تحول لمصدر إلهام لشخصيات سياسية وأكاديمية على قدر عال من الثقافة والوعي
وحتى لا نجلد أنفسنا هنا، فهذه الظاهرة عالمية ولا تقتصر على الأردن والعالم العربي، بل تشمل العالم كله وهي من تجليات سيادة العولمة والثورة الصناعية الثالثة وأبرز منتجاتها شبكة الإنترنت التي ساهمت في خلق هذا الفضاء المفتوح للتعبير بلا قيود أو حواجز. فمن يتابع تغريدات لزعماء ومسؤولين ومشاهير عالميين وعلى رأسهم رئيس أكبر دولة في العالم عليه ألا يشعر بالغرابة مما يشاهده في بلدان العالم الثالث المهيئة لفكرة التمرد والرفض نتيجة إرث تاريخي من الإقصاء
ربما يدعو البعض لتفعيل سيادة القانون على كل محاولات الإساءة والاستخدام السلبي لمواقع التواصل، ولكن هذا وحده لا يكفي خاصة إذا كان التوجه العام اليوم لا يعكس حالات فردية بل تيارا جارفا مؤثرا ومسيطرا
نحتاج اليوم أفراداً ومجتمعات ودولة للتعامل مع هذا التحدي بعيداً عن القوالب التقليدية وهي فكرة العقاب، الأمر الذي يقتضي معالجة السلوك أولاً وآلية للتعامل مع هذا التحدي. وهنا لا بد من قراءة التجارب العالمية التي بدأت في تدريس منهاج تعليمي منذ الصفوف الأولى يبين كيفية التعامل مع التكنولوجيا وأخلاقيات وسائل التواصل الاجتماعي. الجهد الثاني يجب أن يتوافق عليه المجتمع بكل أطيافه وهو ضرورة وجود ميثاق أخلاقي يعلي ويعزز من قيمة الحرية وحق الناس في التعبير، ولكن ضمن الثوابت التي يجمع عليها الجميع وهي عدم المس بكرامة الإنسان والاعتداء على الحياة الخاصة وعدم المس بالوطن ورموزه ومقدساته الدينية والوطنية وخلاف ذلك فإن الجميع يساهم في التأسيس لمجتمع الكراهية(الغد)