بقلم: أ. د. عدنان المساعده *
أن تعمل مؤسساتنا التعليمية والتربوية والثقافية على ترسيخ القراءة الذاتية يعتبر خطوة جادة ومخلصة تسير في الاتجاه الصحيح لتحصين الأجيال فكريا وثقافيا، في ظل المتغيرات المتسارعة في عالم العولمة التي لم تراع وجود كوابح تخفف من سرعة التهور والطيش، مما يستوجب ان يكون لدينا فلترة واضحة تستند على أساسيات يجب مراعاتها ضمن اطار وطني شمولي يوجه بوصلة الشباب نحو ما يخدم مستقبلهم ليكونوا معاول بناء وانتاج. ومن هنا فان موضوع الثقافة الشمولي اصبح منحسرا للأسف في تفكير الشباب وما الذي يمنع ان يوجه طالب المدرسة والجامعة وكذلك الطبيب والمهندس والمعلم والمختص بالاجتماع والتاريخ ليمتلك ثقافة زاخرة في موضوعات متعددة في العلم والأدب والفكر والفلسفة والشعر والفن والتراث.
أن مسؤولية ترسيخ القراءة ليست حصرا بوزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والجامعات وحدها، بل هي مسؤولية البيت والمدرسة كافة المؤسسات ذات العلاقة، لأننا إن نجحنا في تعميم ذلك على شرائح المجتمع كافة نكون في ذلك قد وضعنا أساس الطريق الصحيح نحو جيل مثقف واع ليصبح متطورا بعقله وفكره، لأن المثقف متعلم وليس بالضرورة أن يكون المتعلم مثقفا.
وممّا يثلج الصدر أن تجد بعض الأسر تصطحب أطفالها من وقت الى اخر إلى مهرجانات الكتب والفعاليات الثقافية الهادفة التي تشد اهتماماتهم، فما أجمل أن نغرس ذلك في نفوس أطفالنا وعقولهم مما يولّد لديهم الدافعية ويشجعهم على تأسيس مكتبة في كل بيت، لان ذلك أمر له قيمة كبيرة حيث يفتح آفاقا جديدة ويغرس سلوكيات ايجابية تنعكس على مستقبلهم ومستقبل الوطن الذي هو في أمس الحاجة إليهم ليكونوا براعم خير وعناصر بناء.
من خلال القراءة والكتاب تقوم برحلات عبر الايام التي انقضت قبل مئات السنين فتتعرف على افلاطون وجابر بن حيان... وتجتمع مع ايليا أبو ماضي من خلال شعره العميق وفلسفته الانسانية العظيمة وتردد معه:
يا أخي لا تمل وجهك عني ما أنا فحمة ولاأنت فرقد
وتكون قد التقيت احمد شوقي وتردد معه:
صوني جمالك عنا اننا بشر من التراب وهذا الحسن روحاني
وتردد معه ايضا:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني اليه بالخلد نفسي
وتكون يدك قد صافحت يد حافظ ابراهيم احد سدنة لغتنا العربية الذي قال فيها بحرقة وألم معاتبا:
وسعت كتاب الله لفظا وغاية وما ضقت عن آي به وعظات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
أيهجرني قومي –عفا الله عنهم- الى لغة لم تتصل برواة
وتكون فد حلقت في عالم عرار الشاعر الذي تغنى بالأ ردن وطنا لا يماثله وطن، فتغنى في شيحان...وتل اربد ومرتفعات السلط...ووادي الشتا ووادي السير وفي دحنون وشيح وزعتر وقيصوم المفرق ومعان وسهول حوران وكل بقعة مر بها على هذه الأرض التي أحب موصيا الأردنيات أن يكن أكفانه، وتتذكر ارتباطه بالوطن الذي أحب قائلا:
يا أردنيات إن أوديت مغتربا فانسجنها بأبي أنتن أكفاني
وقلن للصحب واروا بعض أعظمه في تل اربد أو في سفح شيحان
عسى وعل تمر بي مكحلة تتلو عليّ آي قرآن
ويمتعك نايف أبو عبيد بشعره الشعبي التراثي الذي يرتبط بالأرض والأنسان، وتترحم على عدو النفاق سليمان عويس في ثروة شعرية مقتت النفاق والمنافقين كما تغنت مواويله بالبيدر وموسم الحصاد وربوع الوطن الخضراء، وتتذكر أيضا أديب عباسي ناسك الحصن وشيخ الأدباء الأردنيين الذي كان مجنونا بعشقه لوطنه وأمته، وغيرها من الموضوعات الكثير الكثير التي تعيش فيها نزهة جميلة وأنت تنتقل بين حقولها تقطف من بساتينها أزهارا متعددة الألوان وتفوح منها رائحة المسك والعنبر.