انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

مدينة البترا ...النهضة والتحديات

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/04 الساعة 05:51
حجم الخط

صالح أبو طويلة

تشهد مدينة البترا الوردية نهضة سياحية واعدة، وارتفاعا ملحوظا في عدد زوارها، وقد شهد شهر تشرين الأول الماضي أعلى رقم في تاريخ البترا السياحي؛ إذ وصل عدد الزوار إلى 137 ألف زائر، وتتوقع سلطة إقليم البترا بأن يصل العدد الإجمالي للزوار العرب والأجانب إلى مليون زائر مع نهاية العام الحالي.
إن الارتفاع في عدد الزوار وبقدر ما يحقق نهضة اقتصادية للمجتمع المحلي في البترا، وبما يوفره من موارد مالية للاقتصاد الوطني وللسوق السياحي الأردني؛ فإنه وفي ذات الوقت يفرض تحديات كبيرة؛ تتحمل سلطة الإقليم الجزء الأكبر منها هي وشركاؤها، إن هذه التطورات تفرض إعادة هندسة العملية السياحية بمختلف عناصرها ومكوناتها؛ كما تفرض على الحكومة توجيه كامل الدعم لخطط وبرامج ومشاريع سلطة البترا.
وضعت سلطة البترا خططا استراتيجية تمتد لعام 2030 وهدفت بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على خصوصية الموقع الأثري وتوفير كافة سبل الحماية والرقابة من خلال الخطة الأمنية والإدارية، كما هدفت إلى تحقيق مبدأ التنمية المستدامة وتوزيع مكتسباتها على المجتمعات الستة بعدالة ومساواة وبحسب مستوى الاشتباك مع العملية السياحية، وتطوير البنية التحتية بمعايير عالمية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات الستة، لقد أصبحت البترا وبفضل الخطط المستدامة وسياسات الترويج وجهة سياحية عالمية فريدة، وسوقا سياحيا ينتج شروطه وتحدياته في ذات الوقت.
تفرض الحالة الراهنة عددا من التحديات تتمثل بما يأتي: ازدياد مستوى الضغط على البنية التحتية وانعكاسات هذا الضغط على الواقع الخدمي ومستوى الخدمات العامة في البترا، زيادة الضغط على الموقع الأثري وانعكاساته السلبية، امتداد المحمية على مساحة 264 كم مربع في منطقة ذات تضاريس معقدة غنية بالواجهات الأثرية، توفير فرص العمل وتوزيع مكتسبات التنمية على مجتمعات البترا الستة بعدالة ومساواة بحسب واقع تلك المجتمعات ومستوى اشتباكها مع العملية السياحية، إدماج الشباب والمرأة في العملية التنموية بما يحقق العيش الكريم وفق مبدأي العدالة والمساواة، تحديات عملية إدارة المحمية وتوفير الحماية والرقابة والخدمات اللوجستية وفق أعلى المستويات، تحديات الطقس والمناخ، إعادة هندسة العملية السياحية بما يطيل أمد إقامة السائح من خلال مشاريع مرافقة للنشاطات الرئيسة، تطوير الرؤية نحو صناعة السياحة بما يحافظ على وضع البترا كوجهة عالمية، والسعي نحو سياحة مستدامة وتوفير البدائل للحد من ظاهرة موسمية السياحية، بناء وتطوير قدرات الأيدي العاملة ورفع كفاءتها، تطوير المنتج السياحي، إعادة التخطيط لمجمل الطرق وتطوير قطاع النقل في البترا، قانون الاستثمار في البترا وسبل الإفادة منه على المستوى المحلي بالدرجة الأولى، رفع الوعي لدى المواطنين بأهمية البترا كسوق عالمي في السياحة وسبل المحافظة على الموقع الأثري وتطوير المعاملة مع السائح، التوسع في المنشآت السياحية، الحفاظ على الهوية الثقافية للبترا في ظل ارتفاع مستوى التثاقف بسبب تزايد الزوار الأجانب.
تفرض عملية تحقيق التنمية المستدامة الشاملة والمتوازنة، العمل على إدماج مختلف المجتمعات القائمة في البترا، وتوفير الفرص المتكافئة، ومراعاة الفروق الطبقية وسد الفجوة القائمة على أساس النوع الاجتماعي، فالتنمية في البترا تسير بوتيرة متصاعدة على مستوى البعد الاقتصادي، وتحتاج إلى مزيد من الجهد لتنمية البعدين الاجتماعي والثقافي، فالتنمية عملية دينامية شاملة تتناول جميع الأبعاد، وهذا الأمر يحتاج إلى جانب خطط وبرامج السلطة ودعم الحكومة، إلى دعم المجتمعات المحلية ورفع مستوى الوعي لديها، وتشجيع تأسيس الأبنية المدنية من جمعيات وتعاونيات ومؤسسات مجتمع مدني تساند خطط سلطة الإقليم وتعمل معها بشراكات دائمة للحفاظ على المنجزات واستدامتها، وقد بدأت السلطة حديثا بالالتفات إلى ظاهرة البطالة عند الإناث والعمل على تأهيل تلك الفئة وإدماجها في العملية السياحية رغم المعوقات السائدة، وبذلك فإن على الحكومة توجيه المؤسسات ذات الاتجاه التقني والمهني لمساندة السلطة في برامجها، كما قدمت السلطة تجربة فريدة في التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني القائمة من خلال تقديم الدعم من خلال شراكات فاعلة تضمن أكبر عدد من المستفيدين، بهدف جذبهم وإشراكهم في الخطط والبرامج.
يحتاج العاملون في القطاع السياحي ممن يبيعون قوة عملهم بشكل يومي في المحمية الأثرية، إلى مزيد من التأهيل والتدريب والوعي ليكونوا قادرين على الاستفادة من مخرجات التنمية، وليصبحوا قادرين على تشكيل رؤوس أموالهم بطرق علمية، تحتاج تلك العملية إلى جهود كبيرة لرفع الوعي بأهمية العمل المؤسسي، وصقل المهارات وتشكيل تعاونيات سياحية قادرة على المنافسة، وتجويد المنتج الحرفي السياحي ليغدو محليا يحقق فرص العمل والهوية الثقافية للبترا في آن واحد.
تفرض خصوصية الموقع الأثري العديد من التحديات في مجالات التخطيط والتنمية، فإلى جانب الجهود التي تبذل لتحسين وتطوير خدمات البنية التحتية؛ فإن تلك الخصوصية تفرض مزيدا من الدقة في التخطيط والتنفيذ وفق المعايير العالمية للتعامل مع هذه الخصوصية، هذه النقطة التفتت إليها السلطة مؤخرا وباشرت بدراستها وتنفيذها، وهي تحتاج للاستمرارية والدعم، كما أن خصوصية الموقع الأثري وامتداد المحمية الأثرية على مساحة 264 كم مربع؛ تفرض نوعا متقدما من الإدارة والحماية والرقابة، ولذا فإن السلطة ومن خلال تفعيل خطة إدارة البترا المتكاملة التي تم إقرارها قبل عقود؛ ستكون قادرة على تدبير شؤون المحمية الأثرية بأقل الأخطاء، غير أن هذا الجهد سيكون استثنائيا ويحتاج إلى مزيد من التنسيق المتطور مع الجهات الشريكة.
تأتي بعض المشاكل العالقة في قضايا البنية التحتية والسكن والرعاية الصحية، فهناك مشكلة حقيقة نتيجة الضغط السكاني في أم صيحون، وهي تحتاج إلى حلول مؤقتة ودائمة، إذ أن الزيادة السكانية وما يرافقها من زيادة الطلب على الخدمات يشكل تحديا حقيقيا لسلطة الإقليم، وفي هذا السياق يدور نقاش كبير حول مدى قدرة السلطة على السماح لسكان أم صيحون بالتوسع العمراني في بعض المناطق وبما يخفف من الضغط السكاني وبما يحافظ على المحمية الأثرية في ذات الوقت، كما أن مسألة الاستثمارات والتطوير على حدود المنطقة العازلة للمحمية الأثرية والتي تكون أراضيها ذات صفة استعمال خاصة تشكل تحديا إضافيا، فالتنمية تستهدف أولا وأخيرا الإنسان وتسعى لإدماجه وتعظيم مكتسباته وتحسين مستوى معيشته، هذه التحديات تحتاج إلى مزيد من التعاون والتخطيط والتفاوض ورفع مستوى المشاركة في اتخاذ القرار.
خلال العام الحالي أعلنت السلطة عن انتهاء وافتتاح عدد من المشاريع السياحية الاستراتيجية كمتحف البترا والقرية التراثية والطرق البديلة ومشاريع البنية التحتية في مختلف المناطق، والفنادق السياحية، وهذه المشاريع جاءت عبر جهود حثيثة من العمل الدؤوب خلال المراحل المختلفة، وهي تتطلب رفع مستويات الإدارة ومختلف الأنشطة الاقتصادية والمجتمعية والخدمية، كما تأتي قضية إطالة أمد إقامة السائح كتحد يستحق العمل والتفكير والتخطيط لتوفير أنشطة ومواقع وخدمات جاذبة تسهم في إطالة إقامة السياح وتوفير سبل الراحة لهم، وقد يسهم مشروع قصر المؤتمرات في حال تنفيذه على تنشيط الحركة السياحية في أوقات انخفاض الحركة السياحية في البترا، ما يتطلب مزيد من الدعم لتنفيذه.
كما يقتضي ارتفاع الحركة السياحية في البترا معالجة بعض التحديات خارج البترا، وذلك لتسهيل الوصول إلى المواقع الأثرية والسياحية في البترا، وذلك من خلال تطوير قطاع النقل و إنشاء الطرق الموصلة إلى البترا والتي توفر الراحة وسرعة الوصول إليها.
إن سلطة إقليم البترا وفي سياق هذا الإقبال المنقطع النظير على زيارة البترا من قبل الزوار الأجانب والعرب والأردنيين؛ تحتاج إلى مزيد من الدعم سواء من قبل الحكومة، أو من قبل المجتمعات المحلية المستهدف الرئيس من العملية التنموية، كما أنها تتعامل مع أكثر بقعة جغرافية على مستوى الوطن؛ تتكثف فيها التعقيدات الاقتصادية والبشرية؛ ما يحتم تقدير الجهود وتعزيزها ودعمها.

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/04 الساعة 05:51