بقلم: ا.د امل نصير
أكاد أجزم أن غالبية الطلبة تعلموا في الشهر الماضي أكثر مما تعلموه في الغرف الصفية، لاسيما في مجال القيم الذي طالبنا به كثيرا ومنذ زمن، وأفضله ما كان بالقدوة، فالمعلم ونقابته استطاعوا أن يكونوا قدوة لطلبتهم، وأن يجذبوا أولياء الأمور الذين صُوروا مع بداية العام الدراسي محتفلين بانتهاء العطلة وعودة أبنائهم إلى المدارس كسبا للراحة، وعودة النظام إلى المنزل...، ولكن كثيرا منهم تنازلوا عن ذلك كله في سبيل الوقوف إلى جانب المعلم في قضيته التي رأوها عادلة، ولإحساسهم بالظلم الذي لحق المعلم إضافة إلى سوء المعاملة أيضا وهو ما تناغم مع معاناة أغلبهم من الفقر والتهميش.
ولعل من أهم القيم التي عايشها الطالب وتعلمها الوفاء، فقد بدأ كثير من الناس يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي متذكرا أساتذة من ذوي الفضل عليه، وبين أثرهم الإيجابي في شخصيته، لقد أيقظ الإضراب فينا صورة المعلم الجميلة التي تعودنا عليها في أيام الزمن الجميل يوم كانت قيمة المعلم عالية، فالحب الأول عند كثير منا كان للمعلمة أو للأستاذ، والقدوة الأولى كانت كذلك، وكم منا صنعته كلمة طيبة من أحد أساتذته؟ وكم منا ما زال يذكر المعلم الأول، والمعلمة الأولى، بل يذكر معلمي أبنائه أيضا الذين أثروا إيجابيا في حياتهم؟ وعلى مدى سني التعليم في المدرسة والجامعة يستطيع الواحد منا أن يضع قائمة بأسماء أولئك الذين كدنا أن ننسى بعضهم بحكم ضعف الذاكرة، وبعد الزمن الذي قسى على المعلم وعلينا جميعا.
التقينا في ظل الإضراب أيضا بطلبتنا الذين درسناهم في الجامعة في مجموعات المعلمين التي انتشرت على الفيس بوك، وكأن هذا الإضراب جاء ليجمع بين الأساتذة والطلبة في السنوات الطويلة الأخيرة، فعزز ذلك الحب القديم الجديد عند الكثيرين.
لقد أعاد الإضراب للمعلم صورته الجميلة، ونجح في بعث الذاكرة؛ لنتذكر كل أولئك الذي علمونا أبجديات الحياة، وأبجديات الحروف، وأبجديات الوفاء... فطوبى لكم ولهم.
رغم رواج صورة المعلم السلبية في السنوات الأخيرة، وانتشار الاعتداء عليم من قبل الطلبة والأهل إلا أنه في ظل الإضراب وجدنا الصورة مختلفة، فكان الأهالي والطلبة يدافعون عن المعلمين لا سيما الإناث، ساهم في ذلك كله وحدة الحال بينهم من الفقر والإحساس بالظلم، وتغول الفاسدين عليهم جميعا.
أما أدب الاعتذار، فكان سيد القيم في هذه المحنة، فالنقابة الذي أصرت على اعتذار الحكومة له عما اقترفته يداها، وفعلت ذلك ربما في أول مرة في تاريخ الحكومات الأردنية وهو ما يحتسب للحكومة وليس عليها - طبقته النقابة على نفسها عندما سارعت بالاعتذار لقناة رؤيا بسبب تعرض كادرها للإساءة، فكان درسا للطلبة والأهل بضرورة الاعتذار ممن يخطئون بحقهم بقصد أو دون قصد.
ومنها أيضا عدم مقابلة العنف بالعنف أو الإساءة بالإساءة، في سلوك النقابة والمعلمين والمعلمات في مواجهة التصرفات الاستفزازية التي رأيناها، وهو ما يحتاجه أبناؤنا اليوم، بل وأفراد المجتمع بشكل عام.
في الاتحاد قوة، قيمة عظيمة تعلمناه منذ الصغر ولكننا لم نطبقه في الكبر، ولعل ذكاء مجلس النقابة وسلوكها أديا إلى التفاف الجميع حولها، وأديا إلى تحقيق غايتهم.
أما اليوم وقد عدتم مرفوعي الرأس كما تمنت الغالبية لكم، فإن الوفاء يقابل بالوفاء للوطن وللمهنة، ولطلبتكم وأهليهم عليكم حق مضاعف من تعويض ما فاتهم، والإخلاص في عطائكم وحبكم لهم، والكل على يقين أن مخرجات التعليم هذا العام ستكون أفضل رغم التأخير، فالحب يولّد الإخلاص والوفاء، ويؤمل فيكم استمرار القدوة الحسنة في أخلاقكم الراقية ليس في الإضراب المنظم، والعمل النقابي الذكي حسب، لكن في كل ما تبع ذلك من سلوك راق ليقلدوكم، ولتبقوا لنا ولهم القدوة ..
لقد سطرتم سفرا عظيما في تاريخ العمل المهني النقابي ستبقى حاضرة في ذاكرة الأجيال، ولن ينفع معها استمرار التخويف من النقابات بأنها مسيسة ولا تعمل لصالح الأمور المهنية أو منتسبيها...بوركتم وبوركت وجهود كل المخلصين لثرى الأردن.